٭ إذا قلنا بأن السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي يتأهَّب الآن للخروج من صف المعارضة الحالية باعتبارها في حال سياسي لا يؤهلها للعمل المعارض المثمر في هذا الوقت على الأقل، فهل هذا التطور في تفكيره أتى بعد قراءة عميقة للواقع قام بها من خلال معطيات معينة على الساحة؟! قال الصادق المهدي في مؤتمره الصحفي الذي عقده أمس الأول بدار حزبه: «لدينا المقدرة للعمل منفردين إن قررت أجهزة الحزب ذلك».. انتهى. طبعاً حكاية «إن قررت أجهزة الحزب» قد يرى الكثير من الناس أنها كلمات تنطلق من إمام الأنصار للإيحاء بأن المواقف الحزبية ليست ما يراها هو وحده وإنما تصاغ وفق عملية ديمقراطية. لكن هذا ليس المهم هنا، فالمهم في الأمر هو أن حزب الأمة القومي يتحدِّث عن إمكانية العمل المعارض الفردي إذا لم يُرضِه اتفاق بين الأحزاب المعارضة أو لم يتفق معها هو في وضع معين. الصادق المهدي هو رئيس الوزراء المنتخب عام (86-1989م) وقد كان رئيساً للوزراء لفترة قصيرة قبل انقلاب نميري عام 1969م.. وهو الآن زعيم حزب كبير وإمام الأنصار وهو مفكر كبير ومحلل سياسي، فلا يمكن بكل هذا الوزن يكون في تحالف معارضة رئيسه كان وزيراً في حكومة انقلابية وهو ليس رئيس حزب، بل حتى حزبه القديم الصغير يعاني من عدم النمو السياسي إنه فاروق أبو عيسى فهل يستوي مع السيد الصادق المهدي؟!.. هذه واحدة من الخلافات بين المعارضة والسيد الصادق. قد يقول قائل إن رئاسة التحالف تنسيقية. وهذه إجابة غير مقنعة بالطبع إلا إذا كان أبو عيسى في هذا الموقع على غرار أحمد الجلبي المعارض العراقي في عهد صدام. فتحالف معارضة فيه حزب الأمة القومي مشارك لا بد أن يكون زعيمه هو الصادق المهدي. وفي المجتمع المعارض في الخارج لو كان السيد الصادق هو رئيسه لما عاد في عملية «تفلحون» في الوقت الذي عاد فيه. تفسير آخر لتصريحات السيد الصادق حول العمل الانفرادي هو أن الانتقال من المعارضة الجماعية إلى المعارضة الفردية للحزب يمكن أن تكون مرحلة تمهيدية تسبق مرحلة حكومة «ائتلافية» بين حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الوطني الحاكم يكون فيها السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء.. بصلاحيات محدودة كما كان هو أيام حكم إسماعيل الأزهري وكما كان بابكر عوض الله أول أيام حكم نميري وكما كان الرشيد الطاهر بكر في منتصف فترة حكم نميري أيضاً. لكن شهرة ولمعان وكاريزما السيد الصادق المهدي ستعوض عن نقص الصلاحيات وسيكون كرت ضغطه هو التلويح بالخروج من الحكومة بعد أن يكتسب فترة إنعاش سلطاني لو جازت العبارة ترفع من أسهمه التي انخفضت بمرور الزمن على فترة الديمقراطية الثالثة التي كان فيها رئيساً للحكومة. لكن إذا صح هذا وكان بالفعل السيد الصادق يمهد تمهيداً للعودة إلى الحكم بنفس اللقب وبصلاحيات محدودة هذه المرة، فإن أمامه سؤالاً في غاية الأهمية هو: هل سيعترف السيد الصادق بأن حكم الإسلاميين قد أصبح الآن بقيادة البشير في عهد ديمقراطي رابع أم أن مشاركته إذا شارك ستكون على طريقة مشاركة حزبه في عهد نميري غير أن هذي ستكون أفضل وأميز؟!. لقد قال الصادق المهدي بعد إطاحة حكم نميري قال: «شاركنا في حكومة مايو لنقوِّضها من الداخل». إذن الآن يبقى السيد الصادق مطالباً بأن يعلن أن البلاد مرّت بعهد ديمقراطي رابع منذ أبرايل 2010م كما مرّت بعهد ديمقراطي ثالث في أبريل 1986م لينتهي في 30 يونيو 1989م. هل يؤمن السيد الصادق بوجود ديمقراطية رابعة؟ إن السيد الصادق معروف بالتصريحات الدبلوماسية في اللحظات الحرجة وقد يقول إذا شارك نريد استكمال بناء الديمقراطية الرابعة. وكان حينما سألوه عن انتمائه الرياضي قال إنه «هلالابي» لكن أباه مريخابي يريد كسب الأسرة لجماهير الفريقين.