حوار: ندى محمد أحمد آمال الفحل تصوير: متوكل البجاوي عندما دلفنا إلى ساحة «كورنثيا هوتيل» برج الفاتح سابقًا لموافاة مواعيد الحوار الذي كان مسرحه الأول في المركز العام الرابض بشارع إفريقيا الشهير بالمطار لم يسعني سوى تذكُّر المقولة الراسخة: إن الأيام دول، وفي قاعة سرت حيث كان لقاؤنا مع عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني دكتور قطبي المهدي للوقوف عند تصريحاته الأخيرة حول المخطَّط التخريبي الذي اتهم به أحزاب المعارضة وتحالف الجبهة الثورية فضلاً عن موقف حزبه بشأن التفاوض مع قطاع الشمال، وأثناء الحوار الذي شهده مدير مكتبه نصر الدين وطاقم من فضائية الجزيرة «لحاجة في نفس يعقوب» فضلاً عن بعض الضيوف كان المدهش بالنسبة لي أن قطبي الذي يرسل تصريحاته النارية والتي يصيب لهيبها نفرًا من بني حزبه أحيانًا يتسم بهدوء كبير تعكسه ملامحه وسكناته بوضوح، وكذا نبرته الواثقة.. إذن فلننظر سويًا ما الذي كان بجعبة قطبي حول أسلئة «الإنتباهة» التي طرحتها عليه تاليًا.. في تقديرك ما الذي يريده المجتمع الدولي من السودان ليكون محايدًا في المفاوضات بين البلدين؟ نحن واجهنا الغرب بهذا السؤال من خلال ممثليهم بشكلٍ واضح، ماذا تريدون من السودان، وفشلوا في أن يتحدّثوا معنا بصراحة، وهذا يعني أنه ليست لديهم مصالح مشروعة لطرحها في السودان، بيد أنهم يتحججون بحقوق الإنسان والحرب في دارفور وانعدام الديمقراطية، لكن حقيقة نحن نعرف أن هناك جهات لها مصلحة في تفكيك السودان، بعضها إقليمي كإسرائيل، وكثير من الدول الغربية والاستعمارية لديها مصلحة في ألّا تنهض دولة قوية في العالم الثالث في منطقة السودان بالذات، نتيجة للظروف الجغرافية السياسية، فالسودان في موقع إستراتيجي مهم، وفيه موارد كثيرة جدًا، كما أنه قريب من مناطق التوترات سواء في المنطقة الغربية أو في إفريقيا ومن ثم يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا جدًا كقوة إقليمية، لذلك هو ممنوع من تطوير نفسه ليصبح دولة قوية، بدليل استنزاف السودان بالحروب المستمرة وبالمقاطعة والحصار، وبما أن هذه هي رغبة تلك الدول فهي تستخدم بعض الأدوات في ذلك، لذلك هناك كثير من الأشياء التي يجد المرء صعوبة في تفسيرها، مثلاً بعد توقيع اتفاق نيفاشا حدث استقرار نسبي في جنوب كردفان وبدأت تنمية غير مسبوقة فيها، فجأة يتمرد بعض الناس ويوقفوا مشاريع التنمية ويعطلوا مصالح المواطنين، يحدث هذا بالرغم من توقيع نيفاشا بكل التنازلات التي تمت فيها لإيقاف الحرب، تنفجر حرب أخرى في دارفور، وهذه كلها أساليب لاستنزاف السودان حتى لا يصبح دولة قوية. المبعوث الأمريكي السابق للبلدين بيرنستون ليمان يعتزم التفرغ لقضية أبيي لتؤول المنطقة لدولة الجنوب وتقديم الإغراءات للمسيرية بقبول ذلك. هذا يدل على نوايا هؤلاء الناس. كيف ستواجهون هذا الموقف الأمريكي الصريح؟ يضحك.. نقابله كيف؟ نحن الآن نتفاوض حوله، ولن نسمح لأرض سودانية تُنتزع منا بدون وجه حق أصلاً، فموقفنا السياسي واضح وإذا فرض علينا أن نقاتل سنقاتل. بالعودة لدولة الجنوب أعلن المكتب القيادي لحزبكم أنه بصدد النظر في تقارير مفصلة حول المفاوضات مع دولة الجنوب، فما الذي خرجتم به في هذا الخصوص؟؟ نحن باستمرار نتلقى تقارير في هذا الموضوع. وبماذا خرجتم؟؟ ما اتفقنا عليه مع حكومة الجنوب معلوم وما اختلفنا حوله معلوم، موقفنا الحالي هو الإصرار على إنفاذ ما اتفقنا عليه مع الجنوب. يبدو أن الحزب الحاكم لا إستراتيجية له في التعامل مع دولة الجنوب، وكأن الانفصال كان فجاءة وكأنكم فوجئتم بالتهديد الذي يشكله على البلاد حاليًا؟؟ نحن لم نفاجأ بالانفصال؛ لأن بقراءتنا للموقف السياسي في الجنوب والشمال أدركنا أن ثمة اتجاه للانفصال. هل كانت لكم إستراتيجية واضحة للتعامل مع الدولة الجديدة. بالتأكيد.. حتى إن الرئيس البشير عندما ذهب لجوبا للمشاركة في إعلان دولة الجنوب أعلن موقف السودان بشكلٍ واضح، في أن جنوبًا منفصلاً ومسالمًا أفضل من جنوب معادٍ ومحارب في إطار وحدة رمزية، ومن ثم فإن إستراتيجيتنا كانت خلق علاقات جيدة جدًا مع الدولة الوليدة، بالبناء على العلاقات السابقة، ومضينا في هذا الخط، ولكن للأسف حكومة الجنوب وتحت ضغوط معينة لم تقدر مصلحتها ولا مصلحة جيرانها ولم تعتمد سياسة حسن الجوار التي سعينا لها، واختارت أن تكون مخلبًا لمطامع خارجية، على عكس مصلحتها كدولة، والآن أكثر من أربعة ملايين مواطن جنوبي يعانون من المجاعة، وهؤلاء نصف التعداد السكاني لدولة الجنوب. بطبيعة الحال فإن التفكير الإستراتيجي يضع في الحسبان كل الاحتمالات.. من هذا المنحى هل كانت لديكم توقعات بأن تشكل دولة الجنوب تهديدًا على البلاد كما هو الواقع الآن؟ نعم كانت هناك توقعات من هذا القبيل؛ لأننا نعلم بوجود تيارات مختلفة وسط الجنوبيين، فهناك تيارات تعتقد أن لها قضية تجاه شعبها ولديها مصلحة في الانفصال، بجانب أن هناك تيارات أصلاً موجودة منذ أن بدأ التمرد وهي تخدم في مصالح خارجية، وإذا تغلب التيار الأخير بالتأكيد لن تكون هناك علاقات سوية تخدم مصالح البلدين. على ذكر الإستراتيجية هل تتوافر لدينا مراكز دراسات علمية تمد متخذي القرار بالمشورة والمعلومات والحيثيات المطلوبة فيما يلي علاقتنا بدولة الجنوب مثلاً؟ والله إذا سألتني هذا السؤال فهي موجودة، ولكن إلى أي مدى هي فاعلة؟ وإلى أي مدى يستهدي بها المسؤولون ويستفيدوا منها فهذا موضوع آخر، لكن قطعًا هناك مراكز. لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أعيد على د. قطبي تساؤلاته السابقة. ضحك قائلاً (اسأليهم هم بقى). حديثك يفيد أن مراكز البحوث هذه ليس لها دور يذكر؟؟ ربما هذا صحيح، ربما أن قدرات هذه المراكز متواضعة، ربما يعتقد المسؤولون (أنهم يفهمون أحسن من هذه المراكز)، ما عارف. بالعودة للمعارضة.. لماذا لا يهتم الحزب الحاكم باستقطاب المعارضة الداخلية لصالح الوحدة الوطنية، فضلاً عن تجريد الحركات المسلحة من مكاسب انضمام المعارضة إليهم؟ هذا يعتمد على القرار السياسي للمعارضة نفسها، الآن هناك أحزاب عديدة مشاركة معنا في الحكومة، (وفي أحزاب رافضة، وقعنا معها اتفاقات كتيرة وما مشى الحال)، في أحزاب تشعر بالضعف لذا تستقوي بالمعارضة المسلحة باستمرار، وبأعداء السودان. تشيرون للحوار مع الشعبي من حين لآخر بينما ينفي ذلك؟؟ الحوار الدائر مع الشعبي لا يكون مع قياداته، فالحوار الذي تم في المدة الماضية كان مع أفراد ومجموعات قدرت هي نفسها أن الطريق الذي يمضي فيه الحزب غير سليم خاصة ولا يوجد سبب لهذا العداء الشديد بين الحزبين خاصة في وجود المشتركات الفكرية، فهما كانا شيئًا واحدًا في السابق، وهناك من انتهى بهم الأمر للانضمام للوطني، وآخرون ما زالوا يحملون راية الحوار في الشعبي، وهم بانتظار قرار جماعي من الشعبي بالتوحد مع الوطني وهذه المجموعات موجودة بالولايات. إذن هم بانتظار قرارات قيادات الشعبي في هذا الخصوص. لا أعرف إذا كانوا بانتظارها أم لا، لكن هم دائمًا ما يرون أن حجر العثرة في القيادة. دائمًا ما تنفون صحة شكوى الأحزاب التي تشككون في وطنيتها في انتقادها لتضييق الحزب الحاكم عليها في ممارسة أنشطتها السياسية بينما يتمتع حزبكم بحريات غير محدودة، بينما نجد أحزابًا لا علاقة لها بالتمرد كمنبر السلام العادل تشكو مر الشكوى من التضييق عليها في ممارسة أنشطتها السياسية في المركز والولايات؟؟ طبعًا أي حزب معارض لا بد أن تكون له مطالب وشكاوى كثيرة وهذا شيء طبيعي، ولكن أعتقد أن أي إنسان موضوعي سيجد أن البلاد بها قدر كبير من الحريات المتاحة، وكل تلك الأحزاب عاشت في حكم الفريق إبراهيم عبود والمشير جعفر نميري وفي عهد الحكومات الحزبية السابقة، وما أفتكر أنهم وجدوا حريات أكثر من المتاحة لهم حاليًا، ولو نظروا أيضًا للدول من حولنا لما وجدوا قدرًا من الحريات كما هو موجود بالسودان، لكن هذه الشكوى مفهومة في إطار العمل المعارض، بل نحن في داخل حزبنا نفسه نجد من يشكو من غياب الشورى، فمثل هذه الشكاوى تظل موجودة وهي شيء جيّد في تقديري. د. قطبي. في ظل الأوضاع المعقدة التي تمر بها البلاد ثمة إرهاصات عن كون الحزب الحاكم بصدد مراجعة جذرية على مستوى الحكم والعلاقة مع المعارضة؟؟ المراجعات هذه عملية مستمرة؛ لأن الحياة في السودان متحركة جدًا كما تعلمين، ولكن هناك ثوابت في الحركة السياسية، مثلاً مبرّرات التمرد هل هي قضايا تتعلق بتنمية بعض الأقاليم ونقص الخدمات ونقص المشاركة السياسية أم هي تتعلق بإسقاط النظام فقط، فإذا جاء لك (شخص) يحدثك عن تهميش منطقته، فلا تتوفر بها مدارس ومستشفيات ولا طرق، تناقش معه ذلك وتنظر في كيفية حل هذه الإشكالات في إطار إمكانات البلد المتاحة.. وهذه مسؤولية الحكومة القومية، ولكن إذا حمل بعضهم السلاح وقال إنه يريد إسقاط النظام فقط، فكيف ستراجع موقفك منه، هذه هي طبيعة الأوضاع. هل يمكننا القول إنه إذا تراجعت المعارضة عن إسقاط النظام يمكن للحزب الحاكم أن يتنازل بدوره ليلتقي الجميع لصالح الوطن؟ المفروض أن المعارضة تعمل للصالح العام وليس استنزاف البلد وانهيار الدولة، فمثلما تطرح الحكومة مشروعات معيَّنة المعارضة تبدي وجهة نظرها حولها أو تقدم مشروعات بديلة، كما يحدث في أي نظام ديمقراطي طبيعي، ولكن أن تحمل المعارضة السلاح وتقول إن مهمتها هي إسقاط النظام فهذا وضع غير سليم، وإذا كانت الأحزاب السليمة تركت (هوس) إسقاط النظام بطريقة غير ديمقراطية وركزت على دورها الإيجابي في الصالح العام قطعًا سنرحب بها جدًا، ونحن نحتاج لمعارضة مثل هذه حتى ولو لم تكن معنا في خط واحد. هل يمكن أن تقبلوا بإجراء انتخابات مبكرة؟ نحن لا نرى مبرّرات لانتخابات مبكرة، وحتى إذا قدمنا هذا الطرح فإن الأحزاب ستقول إنها غير مستعدة للانتخابات، المؤتمر الوطني مستعد الآن ممكن ينزل الانتخابات بينما شكوى الأحزاب الدائمة هي أنها غير مستعدة للانتخابات، عمومًا عندما يكون هناك مبرر لانتخابات مبكرة فإن الحكومات دائمًا تفعل هذا ولمصلحتها إذا شعرت أن البرلمان لا يساعدها في سياساتها. اللقاء الذي جمع الوطني مع قيادات من الشعبي والأمة القومي وفاروق أبو عيسى، هل يمكن اعتباره بداية لمحاولة الالتقاء بين الحكومة والمعارضة. سيكون ذلك أمر جيّد؛ لأن مسألة الدستور من أكثر القضايا التي يمكن أن توحد الناس. لو عرضت لنا معلوماتك في هذا الشأن؟؟ معلوماتي أن المعارضة رافضة في الدخول معنا في حوار حول الدستور؛ لأنهم يرون أن الظروف الراهنة غير مواتية لهذا الحوار. هل من الوارد أن تضعوا الدستور بدون المعارضة؟ لم نفكر في هذا رغم أنه كان بإمكاننا ذلك، إلا أن تقديرنا أن بالمجتمع قوى أكبر من الأحزاب المعارضة وهي معنية بالدستور ويمكن أن تسهم فيه إسهامًا كبيرًا جدًا، لذا فإن أهمية الدستور في النظام الديمقراطي تكمن في كونها خطوة توحد الناس تحت مظلة يلتزم بها الجميع كما أنها تضمن استقرار النظام الديمقراطي، فنحن لسنا في عجلة ونرغب في إقناع الجميع بالمشاركة، ونحن واثقون بأنه لا خلاف حول المبادئ الأساسية حول الدستور من خلال الحوارات السابقة التي أجريناها حوله. إذن على ماذا الخلاف. الخلاف في أنهم يريدون إسقاط النظام ولا نريد الدستور. طالما أنتم واثقون من أنفسكم كل هذا القدر لمَ لا تقبلوا بخيار الانتخابات المبكرة؟ أمامنا عامان فقط للانتخابات القادمة، ولا تبدو لنا أي ضرورة في تبديد أموال الشعب في انتخابات ستقاطعها المعارضة؛ لأنها غير مستعدة لها، على كلٍ أمامنا انتخابات قادمة نستعد لها خلال هذه المدة، وتكون الأحزاب أيضًا (وقفت على أقدامها) لننظر في سجال الانتخابات.