مدينة الضعين هى حاضرة ولاية شرق دارفور، الولاية التى ولدت تحمل فى يدها كتاب الحق والسلام والتعايش وإفساح المجال لبعضهم بعضا بحكمة أهلها «رزيقات معاليا برقد بيقو».. الضعين أصبحت لنا بوصفنا مسيرية ولغيرنا قبلة للتصالح والتسامح لما يتفرد به أهلها من كرم فياض و «بحلوا المعقود وبرقعوا المقدود ودرقة حماية لوطن الجدود» كيف لا تكون كذلك؟ وحكمة لجنة أجاويد برئاسة وكيل ناظر عموم الرزيقات محمود موسى مادبو وسليل المعرف لا يعرف، ورئاسة لجنة مساعٍ حميدة برئاسة د. عبد الحميد موسى كاشا الذى لم يتأخر ساعة فى نجدة جنوب كردفان، فهو يجوب البوادى والفرقان حتى جمع بين الأشقاء أولاد سرور والمتانين وأولاد هيبان، وعضوية وكيل ناظر المعاليا من جاد السيد وأبو كارنكا وعديلة فى حضرة ناظر البرقد موسى جالس من يس وإلى برام.. ومندوب ديار الناظر علي الغالي تاج الدين، والبيقو لكلام الله حافظين ومن أبو جابرة أتحفنا الشاعر «الهداى» إسماعيل حمودة الملقب بقطر السلام الذى قال إنتوا أخوان بسم الله أنعلوا الشيطان، وجات شاعرة السلام الحكامة «أم رطوط» وشهدنا لهم رزيقات ومسيرية ومعاليا وبرقد وبيقو وحوازمة ونوبة وهبانية ينشدون ويغنون للسلام وللتوافق والوئام ونبذ القبلية وتوأمة شرق دارفور وجنوب كردفان، وبهذا المكون تبسمت الضعين فى وجهنا بسمة مستمدة من سبدو الجميلة وسماحة الجريحة بسمة مباشر لا مكاشر.. حبابكم فى الضعين جيتا جيتوا الصلح شوف عين بنتمه، ترحاب يشرح الصدر ويحبس الدمع ويطمئن القلوب الحزينة وقد نزغ الشيطان بين أشقاء ندخرهم ليوم كريهة، وعدونا الحقيقى مكشر الأنياب وعلى مرمى حجر ووقتها لا يفرق بين هيبانى وسرورى ومتنانى.. جيناكم أكبر عيال عطية «الجكرة العزاز» نصح وتوبيخ بل أكثر إذا لزم الأمر. صباح الخميس 21/2/ 2013م كان التفويج من مطار بليلة بجنوب كردفان إلى مدينة الضعين للوفود المشاركة فى المؤتمر بعدد عشر رحلات متتالية ذهاباً وإياباً من غير الوفود التى طارت من الخرطوم، الضعين بلد أهلها كبار بحق وحقيقة لأنهم نسوا جراحهم وداووا جراحنا، وقضوا يومهم كاملاً بالمطار لاستقبال الضيوف بكرم وجود أروش، من سلم الطائرة تبدو لك الأشياء كلها مرتبة ومرسومة بخطوط لا تقبل خلط الألوان والتقاطعات، ومن الوهلة الأولى وأنا قادم فى الرحلة الثالثة وعلى أرض مطار الضعين أيقنت بأن هذا المؤتمر لن يكون مؤتمراً تقليدياً كمثل سابقاته من المؤتمرات، مؤتمر نسج لنفسه ثوباً جديداً ألا وهو ثوب الجدية والترتيب والنظام والأدب والشفافية والخروج من نمط دوامة التقليد بمواكبة حداثة التغيير المجتمعى فى فض النزاعات، ودارفور سباقة فى ذلك رغم تكالب المحن المصطنعة من أعداء الله والوطن. ومن مطار الضعين نبدأ الحكاية.. تراهم بيض الثياب غر الوجوه متراصين يقولون مرحب جيتاً جيتوا الصلح شوف عين بنتمه، نواياهم كثيابهم «حكومة ورجالات إدارة أهلية وأعيان وشيب وشباب ومرأة ومنظمات مجتمع مدنى واتحادات طلاب»، وبدأ الترحيل حافلات لنقل المؤتمرين وبكاسى للحقائب ونجدة شرطة فى مقدمة كل وفد الى وجهة جامعة أم درمان الإسلامية فرع الضعين، حيث مقر المؤتمر، وهنالك أربعة صيوانات غير الصيوان الكبير المعد للمؤتمر مجهزة تجهيزاً كاملاً لتناول الوجبات، ويطوف عليك فى داخلها رجال أصغرهم فى العقد الخامس من العمر، يأتونك بكل ما تشتهي من حلال طيب يخدموننا حفاة.. أى كرم هذا الذى أراه حتى ظننت أنهم حقاً من أهل حاتم لحاتمية كرمهم وضيافتهم.. وأشفقت على شيخ فى العقد السابع «مليان» حيوية ونشاطاً يوزع الأكل والشاى والقهوة، فقلت له يا حاج خلى الأولاد الصغار يخدموننا، فرد على بالحرف الواحد: والله نحن اليوم أمامكم صغار «لقيناكم وين أولاد عطية» ومنها الى بيوت الضيافة، حيث خمج الضيافة الفات الحدود، ومن حقى أقول يا داخل الضعين نم غرير العين لأن الجلسة الافتتاحية كانت يوم الجمعة 22/2/2013 جمعة مباركة.. فكل خطب المساجد فى الضعين أفردت مساحة للحديث عن السلام وقتل النفس حرام، وربنا جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف، وأكرمنا عند الله التقى المحب للسلام، وسبق المؤتمر عمل إعلامى ضخم بتوجيه الفرق الشعبية المكونة من «شعراء وهدايين وحكامات» والالتزام بنص شعر الإخاء والمودة والوحدة ونبذ القبلية وتعزيز الروابط الأخوية، وللضعين مسرح أعطى شرق دارفور أمة وأجاويد نحتكم لهم عند المحن، وحقاً ولاية أنموذج وحاضرتها كذلك، وذلك يتضح من خلال اللوحة الجميلة التى رسمها أهل الضعين شعباً وحكومة، ونحن شهود عليها، وعشرة أيام كفيلة بملاحظة السالب، لأنه مثل السواد فى كوب اللبن، لكننى لم أشاهد إلا موجب يسر النظر، وهو ترابط أهل شرق دارفور سوق الضعين ونماذج الكرم ومصفف الشعر «الحلاق» رفض المقابل وقال مدفوع، وست الشاى كذلك، وما أحوج تلكم الشرائح للكسب من سوق اليوم الذى أكل اللحم وطحن العظم، لكن هذا هو السودان نار الكرم لا تموت فيه، ولم نر أناساً يتجولون بسلاح غير القوات النظامية، ولم نسمع لعلعة رصاص يطلق مزاجياً حتى فى الأفراح، وذلك دلالة على شارع منضبط، وفى موقع المؤتمر لم نلحظ مشادة بين اللجان المنظمة، بل يؤدون عملهم كالنحل، ولكل بطاقة تحدد الهوية وعلاقة وجود الشخص بأرض المؤتمر، وأيضاً الفرق الشعبية كلها تغنى وتبشر بالسلام وإجلاس المؤتمرين فى داخل الصيوان الذي فيه إفساح مجال وكل فى موقعه، مع خدمات يقدمها الاتحاد العام للطلاب، ولم نر عامة الناس من أهل المدينة، فيا له من أدب جم ، نعم المؤتمر خرج من نمط التقليد لأن صفحة الخلاف انطوت بحكمة أجاويد وحنكة رجال وإرادة أطراف نزاع كانوا قدر التحدى. وقرارات المؤتمر كانت على درجة عالية من السرية قبل أن تقرأ فى اليوم الختامي، وكنا كالطلاب قبل قراءة مقررات المؤتمر يشدنا الشوق والخوف لمعرفة نتيجة الأمتحان فشل أم نجاح، والحمد لله نجاح بنسبة 100%، ونحمده ونشكره على نعمة السلام والمودة والإخاء وعودة اللحمة الى الجسد الواحد أهل شرق دارفور، وخاصة مدينة الضعين «حكومة ورجالات إدارة أهلية وأعيان وأجاويد ومنظمات مجتمع مدنى ومرأة» لهم ولأفراد أسرهم شكر يستحقونه، ومنهم تعلمنا الكثير بأن الذى يداوى جراحك أكبر منك، ولأنهم أنموذج يستحق الأرشفة والعمل به فى توأمة جنوب كردفان وشرق دارفور. ولعمرى ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق.