قال الله تعالى في محكم التنزيل: بسم الله الرحمن الرحيم «وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ». صدق الله العظيم... سورة يس لقد ورد ذكر النخيل في القرآن الكريم في مواضع كثيرة أكثر من أي فاكهة أخرى، حيث ورد ذكرها في عشرين آية في ست عشرة سورة. وجاء ذكر النخيل في مواضع مختلفة متعددة. { إذ جاء ذكرها في وضع إطعام من جوع: «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا» سورة مريم { وجاء ذكرها ترغيبًا وتحفيزًا: «فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ». سورة الرحمن الآية «11» { وجاء ذكرها ترهيباً ووعيدًا: «فترى الْقوْم فِيها صرْعى كأنّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيةٍ». سورة الحاقة الآية «7» كتبتُ عن النخيل من قبل عدة مقالات عندما وجدتُ أن أهل الحكم في عاصمتنا يُهينون أشجار النخيل ويُسيئون إليها فتجدها في بعض الشوارع والميادين غُرست بغير معرفة وفي أرض لا تصلح لزراعتها وفي عمر لا يناسب مكان زراعتها ولا الأرض التي زُرعت فيها. وتجدها مُهملة عطشى فتموت واقفة على ساقها وتُترك هكذا كالهنبول كأنما يُراد بذلك التخويف والترهيب لا الترغيب. وهذا الوضع الذي تجد عليه أشجار النخيل مُهملة عطشى زُرعت في تربة لا تصلح لزراعة النخيل تجده في أكثر المواقع التي يرتادها الناس وفي أكثر الشوارع ازدحامًا بالسابلة وضيوف الوطن فبدلاً من أن يجدوا ما يسرُّ الناظر يجدون منظرًا قبيحًا لأشجار من النخيل يابس سعفُها وعرجونُها لا تكاد تفرز بين شماريخها وخوصها.. كلما تمر بكبري الإنقاذ من ناحية المهندسين وعلى ميدان مدخلها وفوق النفق تجد أشجار نخل خاوية زُرعت بإهمال وتُركت لتموت واحدة تلو الأخرى، وهذه ليست المرة الأولى فقد سبقتها مرات ومرات في نفس المكان ولا يتعلم أهل الشأن من الدروس، وقد كانت ثورة زراعة النخيل في بدايتها تحت قيادة العقيد يوسف عبد الفتاح في شارع المطار كان أهل النخيل يبيعون العائب منها بأكثر من خمسمائة جنيه فامتلأت الشوارع بالنخيل ولم يبق منها إلا نخيل شارع النيل الذي زُرع على أرض مسطحة خصبة تحتها الندى من النيل فوصلت جذورها إلى المياه الجوفية. أما الأرض التي زُرعت عليها أشجار النخيل في الشوارع فهي أرض رُدمت بالتراب الخرساني ومُندلت بشدّة ليُقام عليها طريق مسفلت كما هو الحال فوق نفق كبري الإنقاذ من ناحية أم درمان، وهذا درس يُفترض أن يتعلّم منه أهل الشأن. ولكن ما هو أكثر استفزازًا اليوم تجده عندما تمر بشارع النيل الجديد وتجد أشجار النخيل على امتداد القصر الجمهوري ما يزيد على الأربعين شجرة نخلة زُرعت على أرض رُدمت ردمًا بالتراب الخرساني ومُندلت مندلة ليُقام عليها طريق مسفلت فجاء أخو الجهالة فزرع عليها أشجار نخل كانت مثمرة في حقلها فأصبحت أعجاز نخل خاوية لا تسر الناظرين والعابرين وأهل القصر وزواره وهم أهل نخل وُلدوا تحت سيقانها وظلها.. هذه المشاهد جعلتني خلال يوم الجمعة أبحث عن كتاب في مكتبتي يتحدّث عن النخيل علّه يخفِّف عني وجع ما نشاهده على الطرقات إساءة للنخيل، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حق النخلة الكثير ومنه قوله «أكرموا عمتكم النخلة». وجدتُ الكتاب وهو تحت عنوان «النخيل» تأليف القاضي عبد الله أحمد يوسف.. تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم رحمة الله عليهما إنه كتاب يستحق أن يقرأه أهل النخل والمهتمون به وبزراعته. لقد وجدتُ نفسي ذلك الصباح أبحر بين فصول الكتاب وكلَّما وجدتُ وتحصلتُ على معرفة لسر من أسرار النخيل أجد نفسي أتعمق بين الفصول وأبحر بين السطور أبحث عن أسرار ومعرفة أكثر بالنخيل.. لله درك يا شيخنا عبد الله بن أحمد بن يوسف أو عبد الله ود أحمد ود يوسف الرباطابي من جزيرة مقرات، لقد ساهرت بي نهاراً وشغلني كتابُك فما استطعتُ عنه فكاكاً ولا أظن. كنتُ دائماً أشعر بحبي لأشجار النخيل وعشقي لها حتى أصبحت متيمًا بها وبثمارها التي لا تخلو عربتي منها ولا بيتي فأجعله في متناول يدي ألجأ إليه كلما شعرتُ بحاجتي إليه. وهذا من سر نشأتي ومولدي بين بساتين النخيل ومرتع صبانا تحت ظلها نأكل من ثمرها وما غرسته أيدي الآباء والأجداد فقد كان فطامنا بحبات من رطب وبسر. ومن كتاب النخل لشيخنا القاضي عبدالله نقرأ: { ذكر الله سبحانه وتعالى أربعة أنواع من الشجر وهي النخيل والأعناب والزيتون والرمان بعد ذكر الزرع. وقدم سبحانه وتعالى الزرع على سائر الأشجار لأن الزرع غذاء وثمار الأشجار فواكه، والغذاء مقدم على الفواكه. وقدَّم الله سبحانه وتعالى النخلة على غيرها من الأشجار لأن ثمارها يجري مجرى الغذاء وقد وصل إلى ذلك العلم الحديث أخيراً، وكذلك فيها من المنافع والخواص ما ليس في غيرها من الأشجار. { وذكر سبحانه وتعالى العنب عقب النخيل لأنه من أشرف أنواع الفواكه ثم ثنّى عقبه الزيتون لما فيه من البركة والنفع وكذلك الرمان بعده. { وذُكر عن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» خلقت النخلة والرمان والعنب من فضلة طينة آدم عليه السلام». { وعن أبي مالك قال «الشجرة التي نُهي عنها آدم وأكل منها شجرة النخيل، أما ابن عباس فقال إنها شجرة الكرم أي العنب. { وفي مكارم الأخلاق للطبرسي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خُلق آدم عليه السلام والنخلة والعنبة والرمانة من طينة واحدة» { وحيث جاء في القرآن ذكر نهي على النخيل دون الثمرة وعلى ثمرة الكرم دون الكرم وذلك لأن أعظم منافع الكرم ثمرته دون أصله والنخيل كذلك منافعه عظيمة وتوازي منفعة ثمرته من خشبه وجريده وليفه وخوصه وسائر ما يشتمل عليه. { تجدني أخي القارئ الكريم قد أطلت عليك اليوم الحديث عن النخلة من كتاب الشيخ عبد الله أحمد بن يوسف ولا يزال هنالك الكثير الذي ورد في ذلك الكتاب أجد نفسي مشدودًا إليه أرغب في أن أوصل فحواه لأهلي في الشمالية ليقفوا على عظمة النخلة ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى صاحب الكرم والجود علينا فلم يترك شيخنا شاردة ولا واردة عن النخيل إلا تناولها وأبحر في أعماقها وجاء بحقيقتها وأصلها. فجزاه الله عنا كل خير. نواصل في المقال القادم الحديث عن بعض ما ورد في النخيل في كتاب القاضي عبد الله ونكتب عن النادر من التمور وعن ود خطيب وكرشة ابنعوف ونخلة علي ودقمبور.