«الأخ عصام دقداق من الأقلام السودانية المهاجرة والنشطة وهو قلم مسكون بقضايا أهله وبالمهاجرين السودانيين وظل يرفد هذه الصفحة بالعديد من الإسهامات في قوالب صحفية متنوعة.. نفسح له هذا الحيِّز لرسالته التي وصلتنا من جدة».. لقد كرّم الله الولاية الشمالية بشجرة النخيل التي ذكرت في القرآن الكريم عشرون مرة في سبع عشرة سورة. وثمرة النخيل تعتبر غذاءً كاملاً في سعراته الحرارية العالية وقد ذكر الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن النخلة عمتنا فهي تشبه الإنسان من ذكر وأنثى ويمر عمرها الافتراضي كالإنسان بالطفولة والشباب وإذا قطع رأسها ماتت الشجرة وإذا مات قلبها ماتت الشجرة. ويرتبط الإنسان النوبي بشجرة النخيل ارتباطاً وثيقاً منذ الأزل كما يظهر ذلك في بيئته وكل ما حوله من سكن وغيره واشتهرت تلك المناطق بإنتاجها الوفير من القنديل والأنواع الأخرى من البلح مثل البركاوي، وتتم عملية زراعتها بعناية تامة بعد غرس الفسيلة في الأرض ومعالجتها بنظام الصفائح ليتم فصلها من الأم ثم زراعتها في الأرض وتتم رعايتها حتى تصل لمرحلة اللقاح الذي يؤخذ من ذكر النخيل ويوضع في سبائط النخلة بطريقة معينة ويتم ذلك بواسطة اللقاح الذي يختار عند الحصاد أفضل سبيطة له مقابل اللقاح والحصاد من كل شجرة وعادة ما يتم الحصاد في بداية يوليو حتى نهاية أغسطس في كل سنة، وتتم عملية الحصاد في جو احتفالي يستعد له الجميع ويتبع فيه الصغار الكبار للسواقي لتجميع التمر المتساقط وتنشغل النساء بنزع الثمار من السبائط وجمعها في أكوام بينما يقوم الرجال بتعبئتها في جوالات ويأتي دور الشباب في نقل الجوالات إلى أحواش أعدت خصيصاً لتشميسها ثم فرزها وإعادة تعبئتها. وللنخلة جوانبها الاقتصادية الكثيرة للإنسان النوبي حيث يباع بأسعار مجزية كما يمكن أن يرهن ومجرد وجودها يعتبر تأميناً اقتصادياً للأسر فتحصل تلك الأسر على احتياجاتهم اليومية من تجار القرية بالدين وبذلك يضمن التجار حقوقهم عيناً او نقدًا في نهاية الحصاد، كما يعتبر كل جزء من شجرة النخلة ذا عائد مادي يستخدم في البيئة النوبية من بروش السقف وحواجز الرياح وأخشاب السقف وأعتاب المنازل ونسج العناقريب والمكانس . كما كان للنخيل دوره المهم في دعم المجاهدين فيما يسمى بكيلة المجاهد ويعتبر إنتاج النخيل داعماً اساسياً وسنداً سنوياً لأهالي المغتربين من أبناء الولاية الشمالية مما يخفف الضغط المالي للمغتربين، كما ذكرت لتلك الشجرة جوانب أخرى في تأهيل وتشيد منازل المغتربين المقدمين على الزواج من استخدام سعف النخيل وعيدان النخيل في العرش والتشييد. ودائماً ما كان يتزامن موسم عودة المغتربين مع مواسم الحصاد للنخيل مما كان يوفر لهم دخلاً إضافياً يعينهم تجاه التزاماتهم الأسرية ولكن تغير الحال وخاصة مع عدم وجود مشروع متكامل من قبل الدولة للاهتمام بزراعة النخيل وتطويره مع انتشار الكثير من الأمراض التي فتكت بشجرة النخيل من الحشرات القشرية وغيرها والضرائب التي تفرضها المحليات على كل شجرة سنوياً وما تبقى من أشجار النخيل أصبحت ذات إنتاجية متدنية نسبة لطول عمرها مع عدم وجود شتول وأشجار جديدة.. كل ما تبقى فقط الأشجار المتوارثة من الأجداد مع دخول بدائل حديثة لاستخدامها في عمليات التشييد والسقف حلت مكان منافع شجرة النخيل من جريد وسقف وغيرة كما أثر تقلص الرقع الزراعية للفرد مع عملية التوارث على الرقع الزراعية الكبيرة التي تساعد في زراعتها لسقي النخيل وأصبحت زراعته فقط في الشريط الموازي لنهر النيل ومع انطلاق النفرة الزراعية الكبرى نتمنى أن نعيد لهذه الشجرة مجدها ومكانتها وأن تلتزم حكومة الولاية الشمالية في تكملة كهربة المشاريع الزراعية لتسهيل عودة المغتربين واستقرار أبناء الولاية.