رد الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب في «الديمقراطية الثالثة» على مشروع قانون الصحافة الجديد بعد أن أرسلت إليه رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بالمجلس نسخة منه كتوضيح رأي حزب الأمة القومي فيه.. وكان رده يشير إلى ضرورة إقامة نظام ديمقراطي في البلاد يكون هو الأفضل في العالم.. وكاد أن يقول يكون أفضل وأكثر ديمقراطية من النظام الديمقراطي في الثمانينيات من القرن الماضي الذي كان هو رئيس الحكومة فيه. ففي ذاك العهد تعرض بعض كبار الصحفيين للاعتقال بأسباب واهية، هي الاتصال بالرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري. ولم يكن هؤلاء الصحفيين يقودون مليشيا لنقول إنهم يريدون إعادة نميري كما أعاده من قبل اللواء الثاني مدرعات بمعاونة ضابط الصف ريحان زاهر ريحان. إن صد أي محاولة لإعادة نميري شكلت تهمة وجهها العميد «م» عبد العزيز خالد وكان برتبة عقيد وقتها وجهها إلى العقيد حينها عمر حسن أحمد البشير. وذلك على خلفية طلب عمر البشير تجهيز كتيبة لمنع أي محاولة لعودة أخرى لنميري.. وقال عبد العزيز خالد إنه اعترض على هذا الطلب لأنه كان يتهم البشير بأنه يريد أن يستخدم الكتيبة لتنفيذ انقلاب عسكري. رد الصادق على المشروع تحت عنوان مشروع قانون الصحافة في الميزان. ويقول في رده على مشروع قانون الصحافة بأن مشروع القانون ينص على صلاحيات للاتحاد العام للصحفيين السودانيين ثم قال بعد ذلك: «هناك مآخذ كثيرة على ديمقراطية واستقلالية الاتحاد». ونقول إن المعلوم هو أن هذا الاتحاد هو جسم نقابي، والعبرة فيه ليست في التفويز أو التعيين، وإنما العبرة بتجويد الأداء النقابي لصالح العضو لكن الصادق المهدي يريده نصيراً لغير أعضائه، للسياسيين المعارضين مثله هو. ثم إن اتحاد الصحفيين لا يمكن أن يكون آلية لتغيير سياسي أو دستوري في البلاد. ثم إن طبيعة عمل الصحفيين من ناحيتين تجارية واستمرارية لا تجعل من القيام بعصيان مدني لصالح «الجهاد المدني» أمراً مجدياً كما حدث من بعض النقابات الأخرى عام (1985م) في الإطاحة بحكم جعفر نميري. السيد الصادق لم يوضح هذه المآخذ بالتفصيل.. ولعله يريد القول بأن الحكومة تسيطر على الاتحاد.. وكأنما ليس من حق الحزب الحاكم أن يخوض انتخابات نقابية، وكأنما لا ينبغي أن يفوز لو خاض الانتخابات. فهذا منطق سقيم وليس سليماً. فإذا كانت الحكومة من خلال مؤسساتها المختلفة التي تمثلها تقبل المنافسة الانتخابية، فما المطلوب منها أكثر من ذلك؟! إن المطلوب من القوى المعارضة أن تستمر في المنافسات الانتخابية مع الحكومة سلاحها الطرح السياسي المؤثر لتصل بالشعب إلى درجة الشعور بالثقة بالنفس على غرار ما إنتاب شعوب تونس ومصر وليبيا وسوريا. فهذه الشعوب شعرت بأن الأنظمة لا يسندها ساند، فقد أغلقت كل باب يأتي منه نسيم الحرية. لكن هل الحكومة في الخرطوم فعلت هذا؟! إن الانتخابات حتى على مستوى اللجان الشعبية في الأحياء مفتوحة لكل الأحزاب. وإذا كان هناك من يتحدّث عن تأثير السلطة والمال على الناخبين لصالح الحزب الحاكم فإن السؤال هو: لماذا يتشرف حزب معارض يدعي الوطنية بأن ينتخبه من يشتري بالمال والمنصب وإذا لم يجدهما منح صوته للحزب المعارض؟! إن الصادق المهدي يلمّح في بعض تصريحاته بأن السلطة والمال العام تغلبه سياسياً كما غلبت الكثرة الشجاعة».. وإذا أخذنا هذا المثل الشعبي بين القوسين لمحاكمة منطق الصادق المهدي فإن السؤال هو أين الكثرة التي يدعيها في قاعدة حزبه؟! ولماذا لم تغلب شجاعة السلطة والمال العام؟! والغريب أن الصادق المهدي لا يريد أن يكون مجلس الصحافة حكومياً. فكيف لجهة تحتكم للنيابة والقضاء في رقابة الصحف تكون غير رسمية؟! وكيف لجهة رسمية حكومية لا تكون تابعة لرئاسة الجمهورية؟! إن الصادق المهدي يتمتع بحرية التعبير.. وعليه أن يستثمرها في إعادة مجده الانتخابي.. وهذا ممكن جداً.