قبل عدة أيام من الأسبوع المنصرم فاجأ الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية بزيارة إلى المانيا التقى خلالها نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج وهو اللقاء الذي وصفه بعض المحللين السياسيين بأنه ليس لقاء عابراً وإنما حدث سيكون له ما بعده، واعتبره البعض اختراقاً شجاعاً وكبيراً للقطيعة السياسية بين الحزبين «الغريمين» لما يمثلانه من ثقل ووجود في الحاضر اليوم. ولكن لم يكن البعض يتحسب أن يقوم د. علي الحاج بوضع مذكرة تصحيحية أمام طاولة الأحزاب السياسية لمعالجة الأزمة السودانية تحتوي خلاصة لقائه بالنائب الأول للرئيس البشير الأستاذ علي عثمان وذلك لأن الرجل صاحب هذه المبادرة يعتبره الكثيرون متورطاً مع حزبه ضد النظام مما جعله يرمي بنفسه في متون الهجرة والاغتراب سنين عدداً سيما وأن الابتعاد عن الساحة السياسية أخذ منه الكثير وجعله كالذي يعرض خارج الحلبة. وربما كانت الخطوة إحدى بشائر اللقاء التاريخي مع طه لتأتي خطوة المذكرة اللاحقة بما تحمل من مضامين ربما هي الأخرى ينظر لها البعض بأنها مثالية أكثر من أن تكون واقعية وهذا يجعلها غير مقنعة للكثيرين وذلك لأسباب كثيرة مختلف بشأنها. وكون أن علي الحاج قام برفع مسودة حواره مع طه إلى قيادات المعارضة المسلحة والسياسية الذين رحبوا بها وقالوا إنها إيجابية بينما أعلنوا أن الكرة في ملعب الحزب الحاكم فيما يتعلق بجدية ومصداقية الحوار وإحداث اختراق في القضايا السودانية، يؤكد هذا أن الرجل ذهب في الاتجاه الذي يرمي إليه الحزب الحاكم بحسب تلك الإشارات التي صدرت عن بعض هذه المجموعات التي رأت أن الكرة في ملعب المؤتمر الوطني. فعلي الحاج، وبحسب بعض قادة المعارضة، قام بتنفيذ اتفاقه مع طه بنقل مسودة حوارهما إلى بقية قيادات الأحزاب والحركات المسلحة منهم قيادات قطاع الشمال والجبهة الثورية ونتيجة لقاء الحاج بعرمان ومالك عقار كانت تشير إلى مجموعة العوائق التي قد تعود بالمبادرة إلى المربع الأول لأن ما يجعل منها أكثر واقعية غير متوفر، وربطوا مدى نجاحها بأن يتخذ الوطني خطوات أكثر ايجابية من ذي قبل، أي لا بد من أن تمر خطوات الوطني من بين أيادي قيادات الحركات المسلحة والسياسية وتجد الموافقة والمراهنة عليها لذلك يصبح الوطني الحزب الذي يسير بروح الاتفاقات والتفاهمات، فهل تصدق رؤية علي الحاج ومذكرته وبالتالي يمكنها أن تعبر لبر الأمان، أم أن السياسات قد تهدم ما بُني عليها من آمال؟؟ هذا جانب، والجانب الآخر أن الدعوة هذه قد تصطدم بعدة مطبَّات ربما هي الأخرى قد تكون إحدى النواقص التي تُعيق مسيرة هذه المذكرة وأهمها عدم الثقة، وهذه واضحة، إذ أنه وبمجرد أن رُفعت المذكرة للجهات المقصود أن تصلها تفاصيل الحوار قوبلت بعدم الثقة تحت تفنيد أن الدكتور غائب عن الساحة سنين طويلة وهذا الغياب أعطى الآخرين إشارة سالبة مفادها عدم إلمامه بما يجري في الساحة الآن، كما أن بروز قيادات جدد على الساحة ربما خلق تأثيرات غير إيجابية على الساحة، ولعل ردة الفعل التي حدثت في حزب الحاج نفسه واحدة من الخطوات التي قد تهزم عملية انضمام الجماعات السياسية والحزبية المعارضة لفكرة الدكتور، ففي داخل أوساط الشعبي قابل د. كمال عمر المتحدِّث الرسمي باسم المؤتمر الشعبي بعدم رضا، بينما أعلن تمسُّك حزبه بضرورة إسقاط النظام كأول المصائب التي قد تُعيق التجربة، واشترط أيضًا للدخول في حوار مع المؤتمر الوطني لا بد من تسليم الأخير للسلطة وإعلان تشكيل حكومة انتقالية مؤكداً أنه لا أحد من قياداته بمن فيهم الأمين العام الترابي نفسه أن يتجاوز قراراته القاضية بعدم الجلوس مع الوطني. أيضاً من النقاط التي تقف ربما حجر عثرة أمام المبادرة تعنُّت بعض القيادات في الحزبين الكبيرين وما يعرف بالصقور في الوطني والشعبي الذين يُمسكون بتلابيب الأمور إضافة لصقور المعارضة المسلحة والسياسية الذين ينظرون في الغالب إلى النصف الفارغ من الكوب، هؤلاء قد يهزمون خطوة علي الحاج ويحجبونها من أن تتقدم خطوة لتحقيق المرجو منها، وهذا التعنت يظهر من خلال تمسك كل قيادات بالحجج والأدلة التي يسوقونها في حزبهم لإقناع الآخرين، وإن كانت بالية، وبالتالي تقف خطوة الوفاق السياسي هذه ضد استمرارها مما يشير إلى أنها قد تكون عقبة من العسير أن تتخطاها هذه المبادرة إلا بتفاهم القيادات هنا وهناك، الشيء الذي يجعل من القضية عصية حتى للذين هم خارج إطار الحزبين. أيضًا هذا الوضع الشائك هناك من يستفيد من ديمومته بحسبان أن الحرب واستمراريتها تكون فيها المصالح لبعض الاتجاهات التي تستمد منها قوتها ووقودها من خلال الدعم الخارجي ودعم المنظمات إضافة إلى الظهور في الساحة بما يخدم مصلحة طرف ما، وعملية المصالحة قد تُجهض كل هذه المكتسبات لتك الجهات مما يضطرهم للوقوف بكل صلابة ضد نجاح الوفاق الوطني بحسب دعوة د. علي الحاج وسط القوى والأحزاب السياسية والحركات. مبادرة د.علي الحاج تعترضها بحسب ما حاولنا إيضاحه مطبات كثيرة منها ماهو متعلق بالحركات وأخرى بالأحزاب السياسية والقوى الحزبية المختلفة سياسياً مع الوطني وبينها ما يتعلق بالمنافسة داخل الحزبين الوطني والشعبي وسط خناقات أقرب لجلد الذات من فضح المخابئ ولكن الحتمية تصبح في مقدرة الدعوة الصريحة التي جاهر بها علي الحاج وإمكانية عبورها لكل هذه المطبات في الوقت الذي لا يزال هناك كثيرون ينظرون بشغف إلى هذا العبور ودرجة نجاحه لاستنتاج التفاصيل. فهل ستعبر المبادرة إلى بر آمن وتحقق المرجو بحذر وهو حوار الحكومة والمعارضة بغية تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي أم أن الموج وتلاطمه سيجرفانها إلى فضاء مجهول؟؟