ظل أهل السودان منذ الاستقلال يتطلعون إلى دستور دائم يحفظ حقوقهم ويصون كرامتهم ويحكمهم برضاء تام دون سخط أو ضجر أو تظلم من جهة. وكانت معظم الدساتير التي وضعت لم ترض طموحات أهل السودان وآخرها دستور نيفاشا، كما يحلو لي أن أسميه وهو دستور 5002م وإن كانت بعض بنوده توفي بمتطلبات الشعب إلا أنه جاء يحمل في حناياه وجوهره روح الانفصال، ولم يعد الآن يصلح لحكم شعب شمال السودان المنفصل عن جنوبه. لأن الدساتير تبنى على معنى الحرية الفكرية والاعتقادية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ونحن كدولة مسلمة لا يحكمنا غير الدستور الإسلامي وهو الأمثل والأنسب لدولة شعبها مسلم منذ فجر الإسلام. إن الدستور لا بد أن تشترك فيه كل ألوان الطيف السياسي بأشكالها المختلفة ومنظمات المجتمع المدني وكل الأدباء والمفكرين والعلماء والمتخصصين في مجال القانون، بل كل علماء السودان حتى يخرج في ثوب قشيب وصورة مقبولة. وأنا أوجه الدعوة لكل الحركات الحاملة للسلاح أن هذه فرصة للمشاركة في بناء الوطن، وعليها أن تبعث بوفودها للمشاركة في هذه التظاهرة الدستورية، لأن الدستور هو الذي ينظم حياة الناس وكيف يصلون إلى ما يريدون دون قتال وحرب وسفك للدماء وتعطيل لتنمية البلاد. وأنا أثق في الحكومة أنها على استعداد للسماح لكل خارج ومتمرد عليها بالمشاركة، ولن تمنع أحداً المشاركة. وأن الفرصة متاحة ومفتوحة لأهل السودان جميعاً دون قيد أو شرط أو تحفظ وإلا جاء الدستور الجديد ناقصاً غير كامل. ونحن نأمل أن يأتي الدستور الجديد ويتضمن الحرية الفكرية وحرية الصحافة والرأي والفكر، وأي دستور لا يحمل هذا النوع من الحرية لا يكتب له النجاح. كما المطلوب من الدستور الجديد وضع حد للجهويات التي هي سبب في هذه الصراعات التي تدور الآن في معظم أنحاء السودان، وأن يقضي على كل أنواع القبلية والعنصرية والتميز الحزبي، وأن يحد من نشاط التبعية والتوجه العرقي والعصبي، ويميز وينظم نشاط الجماعات الدينية دون تطرف وغلو يبعدنا عن عبادة الله سبحانه وتعالى. إن تحديات الدستور الجديد كامنة تماماً في وضع إدارة محلية جديدة لجميع أنحاء وولايات السودان، وأن يكون هناك قانون جديد للإدارة المحلية يشترك فيه كل أصحاب الخبرة والكفاءة والدراسة في هذا المجال. لأن الإدارة المحلية هي أس أو أساس الحكم لأن المطلوب منها حفظ الأمن والاستقرار والتنمية والتحديث والإعمار وتقديم خدمات للمواطنين من تعليم وصحة وكهرباء ومياه وسكن وغيره. إن مهمة الدستور الجديد صعبة وغاية في الأهمية للسودان الجديد بلد الموارد الاقتصادية المهمة حتى لا نقع في صراعات أخرى تكون إقليمية، أن يراعى الدستور الجديد تقسيم ولايات السودان على أسس جغرافية واجتماعية واقتصادية وإدارية، وليست أسساً سياسية أو قبلية أو جهوية حتى لا نقع في أخطاء الماضي الأليم بتصفية الإدارة الأهلية التي كانت تلعب دوراً بارزاً في حفظ الأمن والاستقرار في المناطق الريفية، وكانت تمثل الساعد الأيمن للإدارة المحلية. إن الدستور القادم المطلوب منه أن ينظم حياة الشعب السوداني ويهتم بالخدمات الضرورية التي تهم المواطن وأولها مراجعة السياسة التعليمية في السودان سواء كان ذلك المستوى التعليمي العام أو العالي، وأن يخرج الدستور الجديد برؤى وأسس جديدة للتعليم وتتم مراجعة المناهج والهياكل الوظيفية للإدارة التربوية والتعليمية. كما مطلوب منه أيضاً الاهتمام بصحة المواطن وترشيد السياسة الصحية وتعميم العلاج المجاني لشعب يعاني من أمراض مزمنة ومتأصلة نتيجة للظروف المناخية التي يعيشها أهل السودان في المنطقة المدارية. وعلى الدستور الجديد أن يضع في حساباته إنصاف الكوادر البشرية خاصة الطبية والتعليمية حتى نوقف مد الهجرة المتزايد والبحث عن الوضع الأفضل من أجل المعيشة. ونحن أخيراً نأمل في دستور يكفل لنا الأمن والاستقرار ويكفينا شر قوى الشر والعدوان العالمية التي لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب. نحن نأمل في دستور إسلامي يؤصل معنى الدين ويحفظ المجتمع من الثقافات الوافدة، وبحكم أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية. هل فعل ذلك واضعو الدستور الجديد وأن حلم أهل السودان يراودهم هذه المرة دستور يحفظ حقوقهم ويصون كرامتهم، هل فعل أهل السودان وواضعو دستوره ذلك.