العفو الذي أصدره الرئيس عمر البشير عن سجناء دولة جنوب السودان بالخرطوم أخيراً، وقابله عفو مماثل من رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت، أنعش الآمال حول إطلاق سراح القيادي بجبال النوبة تلفون كوكو أبو جلحة، الذي اعتقل في 21 أبريل 0201 بالرغم من أن ظروف كوكو تختلف عن غيره من السجناء العاديين، بوصفه ضابطاً في الجيش الشعبي وأن اعتقاله جاء على خلفية مطالبته بإنصاف أبناء النوبة الذين همشتهم اتفاقية نيفاشا 2005 ولم تقدمهم في مراتب السلطة ولم يطالوا شيئاً من قسمة السلطة رغم أنهم كانوا عظم الظهر في الجيش الشعبي للحركة الشعبية، حتى أن بعض التفسيرات التي تبرر مماطلة جوبا في فك ارتباطها بقطاع الشمال يعود إلى أن كلمة السر في تماسك جيشها هي قطاعات أبناء النوبة، لذا فهي تخشى تسريحهم فينفرط عقد جيشها. ومعلوم أن اتفاقيات التعاون بين البلدين في سبتمبر الماضي ومن بعدها توقيع المصفوفة في 12 يناير الماضي، لم تذكر شيئاً عن تلفون، لذا كان مفاجئاً إعلان حكومة جوبا إطلاق سراح تلفون على لسان وزير الداخلية اليسون مناني مقايا ل «سودان راديو سيرفس» بقوله إن تلفون كوكو حر طليق وموجود في جنوب السودان بإرادته، وهو من رفض الذهاب للسودان. وتتضارب تلك التصريحات مع إفادات سفير جوبابالخرطوم ميان دوت وول الذي قال في تصريحات إعلامية إن قضية تلفون كوكو ذات صلة بجوانب عسكرية وإن قرار الرئيس سلفا كير ميارديت بالإفراج عن نزلاء سودانيين لا يشمل كوكو، فضلاً عن أن زوجته هدى كريم نفت للزميلة «الصحافة» صحة إطلاق سراح زوجها، ووصفت تلك الأحاديث بأنها «كلام ساكت». التصريح بالإفراج عن تلفون والنفي المضاد له يطرح عدة تساؤلات من قبيل هل ستفرج جوبا عن تلفون حقاً؟ وهل لذلك علاقة بصدق نواياها أو زيفها بفك الارتباط مع قطاع الشمال؟ وهب أنها أطلقت سراحه، كيف يؤثر ذلك على مفاوضات الخرطوم مع القطاع التي من المنتظر أن تبدأ في منتصف الشهر الجاري؟ مصدر برلماني طلب عدم الكشف عن هويته ذهب إلى أن إطلاق سراح تلفون سيتم قريباً، وقرن ذلك بزيارة البشير المرتقبة لجوبا. وأضاف ل «الإنتباهة» أن البشير سيصحب معه نائب رئيس حركة العدل والمساواة إبرهيم الماظ الذي اعتقل في يناير 2011 بولاية غرب دارفور في إحدى عمليات الحركة، ومن ثم يعود بتلفون في طائرته، وثمة مصدر آخر قريب من تلفون يمضي في ذات الاتجاه بقوله إن الإفراج عن تلفون بات قريباً، مشيراً ل «الإنتباهة» إلى أن عدداً كبيراً من قيادات النوبة التاريخية بالجيش الشعبي بصدد عمل كبير يتعلق بتلفون وبرؤيتهم حول التفاوض مع الحكومة، وأنهم سيكشفون عن ذلك عبر مؤتمر صحفي في العاشر من هذا الشهرالجاري. أما الرواية الثانية من بعض قيادات المؤتمر الوطني بجنوب كردفان تشير إلى أن إطلاق سراح تلفون لن يكون بهذه السهولة، فجوبا لن تفرط فيه بوصفه قيادي له كارزيما قوية في جبال النوبة، كما أن تلفون الذي أصبغ عليه زعيم الحركة الشعبية جون قرنق لقب مولانا قطعا سيصطدم بنائب رئيس قطاع الشمال عبد العزيز الحلو ذي الخلفية الشيوعية القحة، ولفت المصدر في حديثه ل «الانتباهة» أن الحلو ليس فقط مهما لجوبا إنما ثمة مخططات وأجندات غربية في جنوب كردفان يعول القائمون بها على الحلو لتنفيذها، ولا شك أن ظهور تلفون في الساحة السياسية بالولاية سيربك حسابات تلك الدول، خاصة وأن شعبية تلفون الواسعة منحته «9» آلاف صوت في انتخابات 2010، رغم وجوده في غياهب سجون جوبا، وبفضل تلك الأصوات التي كانت خصماً على مرشح الحركة الحلو فاز مرشح المؤتمر الوطني أحمد محمد هارون بمنصب الوالي. وبالفعل يخبر المصدر القريب من تلفون أن الإفراج عن تلفون يعني أنه هو الذي سيدير المفاوضات عن أبناء النوبة، باعتبار أن قطاع الشمال لا يمثل النوبة في شيء، مضيفاً أن النوبة «كفروا» بالقطاع. ودعا الأمين العام للقطاع ياسر عرمان للنضال عن مواطنيه في الجزيرة، وكذا الحلو عليه أن يهتم بقضية أهله وذويه في دارفور. مردفاً بأن النوبة «كبروا وليسوا في حاجة للوصاية من أحد»، مضيفا أن مشكلات النوبة لا يحلها إلا أبناء النوبة. علي كل يبقى خيار إطلاق سراح تلفون أمراً معقداً رغم الانفراج الواضح في العلاقات بين الخرطوموجوبا الذي أفضى إلى تدشين انسياب نفط الجنوب عبر السودان، اللهم إلا إذا كانت جوبا صادقة في عزمها في فك الارتباط فعلاً مع قطاع الشمال، اذا كان لها أن تحتكم لقرارها في ظل الأنباء التي تحدثت أخيرا عن زيارة جنرالات إسرائيل لجوبا للحيلولة دون إنفاذ جوبا لتعهداتها حيال مصفوفة تنفيذ اتفاقيات سبتمبر2012 ويبقى أن حاجة جوبا الماسة لأموال النفط قد تكون ترياقاً ناجعاً لمثل تلك التدخلات ما لم تحدث واشنطون أمراً في مؤتمرها الذي عزمت على عقده منتصف هذا الشهر بشأن الأزمة الاقتصادية لدولة جنوب السودان.