الفصل الثاني: الموطن والنشأة قبيلة المجانين قبيلة عربية أصيلة تنتمي إلى قبائل المسلمية البكريّة الذين ينتهي نسبهم إلى سيدنا أبي بكر الصديق «رضي الله عنه». عٍُرفت القبيلة بتربية الإبل ولعلها قدمت من شمال إفريقيا أو من الجزيرة العربية.. اختلف الناس في سبب تسميتهم بالمجانين، فمن قائل إن جدهم أصيب فعلاً بالجنون، ومن قائلٍ إنه كان سريع الغضب حتى لُقِّب بالمجنون.. ويقال للواحد منهم مجنوني وليس مجنوناً. وقديماً كان بنو أنف الناقة يتحرجون من اسمهم حتى قال فيهم الشاعر: قوم هم الأنفُ والأذناب غيرهم فمن يسوّي بأنف الناقة الذّنبا؟ فأصبحوا باسمهم يفتخرون.. وهكذا المجانين كانوا أهل شجاعة ونجدة وكرم وفصاحة وقرآن حتى حُق للواحد منهم أن يقول: لو لم أكن مجنونياً لوددت أن أكون من المجانين. يُروى أن تاجراً يبيع السيوف جاء بها إلى مدينة الأبيض فقيل له: اذهب بها إلى المزروب حيث يوجد بها مُشرع للماء يأتيه البدو لسقي الإبل، وفيه سوق كبير. فسأل عن القبيلة التي تسكن المزروب فقيل له إنهم المجانين فقال: وأين يمكن أن أنزل؟ قيل له مع «أبو كواريك» فقال مزروب ومجانين وأبو كواريك! وماذا أصنع إذا ضرب أبو كواريك الكواريك وأحاط بي المجانين في المزروب؟. قيل له إنهم أهل علم وقرآن ولن تجد منهم إلا خيراً. صمت الرجل وسافر إلى المزروب متوجساً ولم يعرض سيوفه إلا بعد أن اطمأن لأهلها ووجد من أنسهم وكرمهم ما أزال عنه التوجس والخوف. استقر المقام بالقبيلة في منطقة المزروب في الجزء الشمالي من ولاية شمال كردفان، وقد كانت يومئذ منطقة خصبة توفر لإبلهم الكلأ والماء ولعلها سُمّيت بالمزروب لأنها كانت محاطة بالأشجار والأعشاب «مزروبة» من جميع نواحيها، وظلت كذلك حتى عهد قريب. ولا أزال أذكر وأنا صغير السن كيف كانت منطقة العِد «مورد الماء» محاطة بالأشجار التي يشقها دربٌ واحد تسير فيه الراوية محملة بقِرَب الماء. عُرفت قبيلة المجانين بنار القرآن وكثرة الحفظة، وكان من أشهر خلاوي القرآن في المنطقة مسيد ود كدام في أم حصحاص، وقد خرّج المئات من الحفظة ولا تزال ناره تتقد حتى اليوم بعد أن انتقل إلى مكان قريب من سوق المزروب. وما زالت عائلة آل كدام تتولى أمر المسيد ورعاية طلابه، ويقوم بتحفيظ القرآن فيه الشيخ موسى محمد كدّام. ونبغ من أبناء المجانين متعلمون في كل المجالات لعلّ أشهرهم أحمد إبراهيم الطاهر الرئيس الحالي للمجلس الوطني ودكتور إبراهيم محمد صالح كدام الأستاذ بكلية الطب جامعة الخرطوم ودكتور التجاني محمد أحمد علي اختصاصي الأطفال ودكتور جبريل بدوي اختصاصي الجراحة العامة بالسلاح الطبي والمهندس محمد صالح محمد أحمد رجل الأعمال والدكتور الغالي الحاج عميد كلية التربية بجامعة النهود والدكتور الشيخ جمعة سهل عميد كلية الدعوة بجامعة أم درمان الإسلامية، والمرحوم حافظ جمعة سهل وبشير سهل وزير التربية بولاية القضارف. والمرحوم سيف الدولة زين العابدين.. ومن عجب أن غالب هؤلاء من الشعراء الموهوبين وقد نشر بعضهم دواوين شعرهم.