دخل كابلي عالم الغناء ملتحفاً إرث والده المثقف الأديب الفنان الشامل والأريحي المعدود عبد العزيز أفندي الكابلي.. عبدالعزيز الكابلي الذي قال له محمد أحمد محجوب قولته الشهيرة: «يا كابلي لا فض فوك تكلم أو غن انهما سيان».. نعم جاء الكابلي الابن محتقباً كل ذلك. جدد الكابلي سيرة الشعر الشعبي الأصيل الذي أدخله المثقفون أضابير وأرشيف دار الوثائق المركزية وانخسف في صدور أهل البادية حتى قيض له المولى الانبعاث على يد وحنجرة هذا الأديب الفنان الأريب الذي أجلاه ولمعه . نغمه وصدح به.. في الشعر الشعبي غنى الكابلي للحردلو «قلبي المن نشوه» و«الزول السمح»: «الزول السمح فات الكبار والقدرو كان شافوهو ناس عبد الله كانوا يعذروا السبب الحماني العيد هناك احضروا درديق الشبيكي البنتو فوق سدرو» غنَّى من صميم الفلكلور ما وعته المخيلة الشعبية في «الرجالة والضكرنة»: «خال فاطنة».. في الشجاعة والإقدام: «الحسن صاقعة النجم».. في التربية: «متين يا علي».. في الفخر: «الشيخ سيروه»: النصيح حديدو.. بريد أبغره فوق مسيدو.. استمع والانا الله وإياكم بالعافية إلى هذا «الجخ» و«البوبار» السوداني الأصيل: تلاتة قدور صندلية وتلاتة قدور محلبية وتلاتة قدور ريحة نية ونسيبتو قالت شوية وحرمان ما يدخلن عليّا» يغني الكابلي لبنونة بنت المك نمر: إن وردن بجيك في أول الواردات.. مرنامو نشيط إن قبلن شاردات أسد بيشة البكر قمزاتو مطابقات.. بيغزل في ضرايع العنز الفاردات من غناء الحقيبة المعتقة تخير الكابلي «وصف الخنتيلة» و«غزال الروض» لأبي صلاح ، لعبد الرحمن الريح غنى «بدر الحسن» وانتقى لخليل فرح «تم دوره أدور» ودرته الخالدة «ما هو عارف قدمو المفارق»: من فتيح للخور للمغالق.. من علايل أبروف للمزالق قدلة يا مولاي حافي حالق.. في الطريق الشاقيه الترام الكابلي أعاد تجديد وإخراج «رميات» الحقيبة التي كادت أن تنقرض مع جيل «الطنابرة».. نقب الكابلي في سحارة محمد ورد الرضي فأسمع جيل علي المك والأجيال اللاحقة: «يعاينن توبتي في كامن ضمير ويمحن والشاف فاتن جمالن وانتشارن يمحن قلوبا ما انشون بي نار حسارن قمح الله يكبرن الكبرني وسمحن». في فصيح الغناء أخذ الكابلي من كنانة أبي الطيب «مالنا كلنا جو يارسول»، من ديوان غريمه ابي فراس اختار «أراك عصي الدمع.. أبو الطيب المتبني وأبو فراس الحمداني لم يجتمعا على ود إلا من خلال حنجرة الكابلي. الكابلي علم أهل الغناء الإنصات وهو ينشد رائية المتنبي: أرى ذلك القرب صار ازوارا.. وصار طويل السلام اختصارا غنى للوليد بن يزيد بن معاوية «أمطرت لؤلؤاً» لعلي محمود طه المهندس اختار «الجندول».. غنى للعقاد «شذى زهر ولا زهر» .. ولصديق مدثر «ضنين الوعد» وانشد للفيتوري «ياقوت العرش». يغني الكابلي السهل الممتنع: «سكر سكر» و«زينة وعاجباني» و«الكل يوم معانا» و«جار».. لم ينس الرمزية فغنى «شمعة» و«المرايا» .. أغنيته الغناء.. غنى الكابلي للمرأة «أي صوت زار بالأمس خيالي»: أي صوت زار بالأمس خيالي طاف بالقلب وغنى للكمال أشاع النور في دنيا الخيال اذاع الطهر في دنيا الجمال إنه صوتي أنا أو تدري من أنا؟ أنا أم اليوم أسباب الهنا أنا من دنياكو أحلى المنى للقضايا العربية غنى «جمال العرب» لأبي آمنة حامد وهتف: «أغلى من لؤلؤة بضة صيدت من شط البحرين» في ذكرى جهاد جميلة بوحريد الجزائرية. الكابلي هو صاحب القدح المعلى في ارتياد دروب القصيدة المطولة ذات الصور المتعددة، بدأها في أوبريت مروي حيث: يا ناس القوز علينا ظلم.. الشال السيدة وخلى حرم وحيث: الحِلي تنوري.. الليلي يا الحلي تنوري واتبعها بآسيا وأفريقيا حيث: يختلط القوس الموشى من كل دار كل ممشى ومن ثم أخذته ملكة الإبداع المتجذرة فيه إلى عالم محمد المهدي المجذوب وإلى عالم: «الدخول والبشارة والقربان».. إلى عالم: «الشرافة والهجرة» . وإلى عالم: «المولد».. التقيا فتلاقت قمم. عبدالكريم الكابلي المثقف الأديب الفنان هو اسحق الموصلي في جيل علي المك والأجيال اللاحقة.