جاء في الأخبار أن قرارًا صدر بإعفاء وزير الإرشاد والأوقاف الدكتور أزهري التيجاني من منصبه في وقت نشرت فيه صحيفة «الإنتباهة» خبرًا يتعلق بمشاورات تجريها الحكومة حاليًا حول تعيين الوزير أزهري التيجاني سفيرًا للسودان بليبيا... ومن المعلوم أن التيجاني أصبح من الشخصيات المثيرة للجدل والمثار حولها جدل كثيف خاصة بعد الصراع المكتوم الذي انفجر بكثافة بينه وبين مدير الهيئة العامة للحج والعمرة الدكتور أحمد عبد الله فيما يتعلق بملفات الفساد والتجاوزات داخل الهيئة ... لذلك من الطبيعي أن يكون إعفاء وزير في ظل هذه الظروف وعلى خلفية الصراع المشار إليه والذي دخلت فيه أطراف أخرى نافذة ومراكز قوى داخل المؤتمر الوطني، من الطبيعي أن يكون له ما بعده وخلفياته وتداعياته وحيثياته حيث لم يكن حدثًا عاديًا... هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن إعفاء وزير اتحادي من منصبه الوزاري وإسناد وظيفة سفير إليه، هذا في حد ذاته خطوة تستدعي الوقوف عندها كثيرًا حيث يبدو الأمر وكأنه عقاب أو هكذا يبدو المشهد عند أول قراءة... و«حتى تكتمل الصورة» لابد من استدعاء كثير من المعطيات التي تعيننا على فهم الخطوة على نحو صحيح وفي إطارها السياسي طالما أن الأمر يتعلق بالشأن العام وذلك على النحو التالي: فساد بالوثائق في نهاية أبريل الماضي كشف البرلمان عن امتلاكه وثائق وأدلة تكشف عن تجاوزات وفساد بالهيئة العامة للحج والعمرة، ودعا البرلمان اللجنة الوزارية التي شكلتها وزارة الإرشاد إلى أن تكون محايدة وتكشف عن جميع المتورطين.. وقال رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان بالإنابة عباس الفادني للصحافيين وقتها إن ما حدث بالهيئة لا يحتاج لإثباتات. وبعد أقل من أسبوع جاء في الأخبار أن وزير الإرشاد والأوقاف، أزهري التيجاني أصدر قراراً بإيقاف مدير هيئة الحج والعمرة، أحمد عبد الله عن العمل وإحالته للتحقيق حول تجاوزات في موسم الحج والعمرة السابق، في وقت سلمت فيه لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان ملاحظات اللجنة حول عدد من تجاوزات الهيئة. وكشفت الأخبار نفسها عن إيقاف المدير بعد تقرير رفعه مجلس إدارة الحج والعمرة شكا فيه من عدم تعاون المدير لتجاوز المشكلات التي أبدتها اللجنة البرلمانية. مواجهة ساخنة وفي هذه الأثناء، أكدت اللجنة الاجتماعية بالبرلمان، وجود تجاوزات كبيرة في ملف الحج والعمرة، وقالت إنها اجتمعت مع وزير الإرشاد وسلمته رصداً لكل المخالفات التي دوَّنتها والمتعلقة بإجراءات الحج والعمرة.وقال رئيس اللجنة بالإنابة، عباس الفادني آنذاك إن خطوة إحالة مدير الهيئة للتحقيق مهمة وعلى الطريق الصحيح رغم أنها تأخرت، وعدّد الفادني، المخالفات التي تمت من قبل الهيئة، التي قال إنها تتطلب التحقيق، وأوضح أن أول تلك التجاوزات تسرب آلاف التأشيرات ودخولها السوق خصماً على حصة السودان، وقال إن قيادات الهيئة يتمتعون بامتيازات البعثة دون وجه حق. نهب صراح وأشار التحقيق إلى وجود فرق في العملة بين السعر الذي تشتري به الهيئة من بنك السودان والسعر الذي يتعامل به الحاج، ولفت إلى أنه «حرام» بكل المقاييس واستيلاء على مال دون وجه حق، وقال إن مبررات الهيئة التي قدمتها في هذا الأمر «مبررات ضعيفة». وأكد أن التصرف بغير أمر الحاج يحتاج إلى فتوى شرعية وهذا ما أكده نائب رئيس اللجنة. وترددت معلومات عن وجود تأمين بشركة شيكان محتكر لشركة رغم توصيات البرلمان بأن يكون هذا العمل اختيارياً للحاج، وإن الحجاج تؤخذ منهم أموال تأمين دون علمهم، مما يعتبر استيلاءً على أموال بالباطل. المدير يتحدى الوزير مع تفجُّر الصراع واحتدام المعركة بين الوزير والمدير طفحت إلى السطح صور خفية من مما يشبه تصفية الحسابات وتدخل مراكز القوى وانحياز بعضها إلى أطراف الصراع، وكان من نتائج ذلك رفض المدير تنفيذ قرار الوزير بإقالته بل ومضى المدير «المسنود» في تحدي الوزير وظهرت صور كثيرة وقتها من صور الصراع وتردد همسًا أن هناك بعض الجهات أعطت المدير الضوء الأخضر لأن يبقى في منصبه ولايعبأ كثيرًا بالقرار الوزاري الأمر الذي دفع الوزير إلى تنفيذ قراره عن طريق القوة كما تردد وكان واضحًا للعيان أن المعركة تبنتها مراكز القوى التي كانت تحمي مصالحها بشكل مباشر وآخر غير ذلك... إقصاء الوزير الآن وتأسيسًا على ما سبق وبقراءة هادئة لساحة الصراع الظاهر والمستتر داخل الحزب بين مراكز قواه المختلفة يمكن قراءة ما حد ث للوزير أزهري التيجاني وقرار إعفائه إذا صح وإبعاده خارج السودان سفيرًا إلى بلاد تعاني حاليًا الشدة الاقتصادية والظروف الأمنية القاتلة، كل ذلك يمكن قراءته في السياق الذي سبقت الإشارة إليه.. لكن السؤال المطروح هو إذا صحت تلك القراءة التي تشير إلى انتصار مراكز القوى التي ينتمي إليها المدير بإبعاد الوزير ونفيه خارج السودان فهل تفلح مراكز القوى في إعادة عبدالله إلى الوضع الذي تريده له والذي تستفيد منه هي لا «المدير»؟!!