تحدثت صحف الخرطوم على صفحاتها الأوّلى المخصصة للأخبار عن إعفاء د. أزهري التيجاني وزير الأوقاف والارشاد من منصبه، وذلك طبقاً لمرسوم صادر عن رئاسة الجمهورية. ومع اتفاق الصحف على الخبر نفسه، اختلفت على تأويله وقراءته في الخلفيات التي تراوحت بين ذهاب الرجل إلى غير رجعة نتيجة إخفاقات صاحبت مسيرة أداءه في حوش الوزارة، وبين إختياره سفيراً للسودان لدى الجماهيرية الليبية، وبين تهيئته للإمساك بحقيبة جديدة إيصاداً لباب الخلافات المفتوح على مصراعيه بين وزارته وهيئة الحج والعمرة قُبيل ان ينسحب الخلاف ويتمدد لأماكن أخرى. ومن يذهب للتأويل الأول (رحيل الوزير دون إمكانية التحاقه بركب التشكيل الوزاري المرتقب)، يقول بوجود بعض الإخفاقات الكبيرة في سجل الوزير، كتلك التي تجابه حجيج بيت الله الحرام سنوياً ليسوقها كدليل على وجوب اعفاء الوزير من المنصب، ذلك إلى جانب خطأ إداري حول مبالغ مالية اتضح لاحقاً أن الوزارة دفعتها للتلفزيون القومي لحلحلة بعض مشكلاته ولشركة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) للتمكن من الإيفاء بالتزاماتها في عمليات نقل الحجيج السوداني للأراضي المقدسة، وشبهات نشرتها الزميلة (التيار) في احدى تحقيقاتها. أما من يقولون بتعيين التيجاني سفيراً لدى ليبيا الثوار، فيذهبون الى أن الإعفاء تم في أعقاب زيارة تاريخية للوزير بمعية النائب الأول الاستاذ علي عثمان محمد طه. ويقطع دعاة ذلك التيار بأن الخرطوم في مساعيها لفتح صفحة جديدة في علاقاتها وطرابلس، تؤدي لوقف حالة الحرب الباردة بين العاصمتين الجارتين إبان عهد الرئيس المخلوع معمر القذافي، أقدمت على ابتعاث التيجاني برفقة طه حتى يقوم الأخير بتقديمه بما له من قبول في الأوساط الخارجية، للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، بصفته ممثلا للجانب السوداني. أما أكثر التأويلات حيازة للقبول في الاوساط العامة فتتعلق بفض حالة الاشتباك بين الوزير د. أزهري التيجاني، ومدير الهيئة العامة للحج والعمرة أحمد عبد الله. ومما بدا من جبل الجليد، فإن خلافات الرجلين تمركزت حول عمليات بيع عملات أجنبية بواسطة الهيئة العامة للحج والعمرة للحجاج وفقاً للسعر التجاري الأمر الذي عاد على الهيئة بمبالغ طائلة، أدت لمطالبة الوزير بإجراء تحقيق عاجل وفوري لمعرفة ملابسات الحادثة. وعن الحادثة، يقول مقرب من الوزير، طالب بحجب اسمه، ان د. أزهري ووفقاً لسلطاته الممنوحة طالب مدير الهيئة بتمليكه الأوراق كافة التي تكشف أوجه صرف المبالغ الناجمة عن الفروق بين العملات وبيعت للحجيج، وكونت لهذا الغرض لجنة تحقيق برأت في نهاية المطاف مدير الهيئة أحمد عبد الله من أن يكون قد تصرف في الأموال لمصلحته الخاصة، ولكنها في المقابل أدانته في مسلكه المتبع لجلب رؤوس أموال للهيئة. وقال المصدر ان ذلك أدى لمطالبة الوزير باعفاء المدير، وهو ما مانعه الأخير بحجة تنصيبه من قبل رئاسة الجمهورية، وأباه الأول بدعوى إبعاده عن ملف يتبع مباشرة له. عموماً، نذّكر أنه وفي غضون الأيام الفائتة، قررت رئاسة الجمهورية اعفاء الرجلين من منصبيهما، فيما يبدو أنه قتل للخلافات قبل أن تشتد لتحرق أخضر الوزارة ويابس الهيئة. وفسر د. معتصم أحمد الحاج أستاذ العلوم السياسية الإعفاءات التي تتم داخل المؤتمر الوطني بوجود صراع تيارات وأجنحة داخل أروقته. وقال: الحزب الحاكم يحاول دوماً معالجة تلك التباينات داخله وفقاً لفقه أخف الأضرار وآليته في ذلك التنقلات الداخلية, ودلل على ذلك بما تم في القضارف بين د. عبد الرحمن الخضر، وكرم الله عباس، مما ساق في النهاية لتولية الخضر منصب والي الخرطوم، فيما بقى كرم الله يدير شأن ولاية القضارف. على كلٍ، ومع التأويلات العديدة التي أشرنا إليها، نخلص إلى أن الدسم موجود في خبر رحيل د. أزهري التيجاني الذي قال مصدرنا المقرب منه بزهده الشديد في المناصب، وتبقى الأيام وحدها الكفيلة بتعلية أحد التأويلات ووضع الاجابة الصحيحة أسفل هذا التساؤل: لماذا أعفى وزير الأوقاف والارشاد من منصبه قبل أيام قليلة من التعديل الوزاري؟