في الطريق من وسط مدينة (لندن) إلى مطار (هيثرو) يوجد (ركن الغجر). وفي (بروكلين) بمدينة نيويورك يطلقون على سيارات الأجرة درجة ثالثة (تاكسي الغجر). في الثقافة الغربية (غجري) تعني انخفاض الشأن. الغجر لهم تسميات كثيرة في كل بلد يعيشون فيه. وهم موجودون في عدد من الدول الأوربية، منها فرنساوألمانيا وروسيا والمجر واسبانيا وبلاد البلقان، كما يوجدون في سوريا ولبنان والعراق وإيران ومصر. تشير أغلب الدراسات إلى أن الهند هي الموطن الأصلي ل (الغجر). حيث كانوا يعيشون في قبائل، تميِّزهم صفات مشتركة، ولغة تأثرت بلهجات هندية عديدة، هي اللغة (الغجرية) أو (الرّومية). من الهند بدأت هجرات (الغجر) لتكون محطات الهجرة الأولى هي إيران وأفغانستان ثم الدول الأوربية. وعُرِفوا باسم (الغرباط) أو (القرباط)، كما هي تسميتهم في سوريا ولبنان. خلال رحلة (الغجر) الطويلة، بين الأماكن والأوطان الغريبة، تعرضوا للإبادة والنفي والإضطهاد والتشرّد. وعند وصولهم أوربا التي اعتقدوا أنها أرض من النور والأحلام قد خُلقت، كانوا على موعد مع مصير فظيع. حيث كانوا في اسبانيا على موعد مع القوانين القاسية والدمج والتذويب، وقد حجرت عليهم تشريعات (ماري تيريزا) النوم تحت الخيام، وحظرت عليهم الزواج إلا بشروط مستحيلة مضادة لعاداتهم وتقاليدهم. كانت لتلك التشريعات أثرها السالب على الغجر البؤساء الذين يظلون يقاومون محو ذاتيتهم وطمس هويتهم بالمحافظة على العادات والتقاليد والطقوس والترحال من مكان إلى آخر ومن دولة إلى أخرى برفقة خيامهم وأطفالهم ومتاعهم القليل بحثاً عن العيش وأكبر من ذلك خوفاً من الزوال من الوجود. كذلك في فرنسا أصدر الملك هنري الرابع قراراً بطرد الغجر. أما في ألمانيا فقد تعرَّض الغجر لمحنة كبرى بلغت ذروتها في الحقبة النازية، حيث أمرت السلطات بتجميع (الغجر) في معسكرات خاصة تمهيداً لإبادتهم وإراحة العالم منهم!. في أوربا نازية أو غير نازية، سواءً اليوم أو بالأمس، لا تعترف النرجسية العنصرية الأوربية بإنسانية الغجر. وإذا علّم الإسلام البشر أنهم لآدم وآدم من تراب، فما وجد انسان أوربا في ثقافته ما يعلِّمه ويسمو به إلى أن العائلة الإنسانية من أم واحدة وأب واحد. أما في العالم العربي فما يزال إلى اليوم صعب إعلان الأصل الغجري لأحد المثقفين. وقد أصبحت (يا غجري) و(ناس غجر) سباب وشتم وبذاءة. ولكن رغم ما حاق بالغجر من الإضطهاد الأليم والعنصرية الشرسة، ما يزال الغجر يحتفظون بهويَّتهم ويتمسكون بأعرافهم ويحافظون على عاداتهم وتقاليدهم الخاصة في حلّ النزاعات والزواج والولادة، وغيرها. حيث ما يزالون يستعصمون بتراتيبهم الإجتماعية، وما تزال الغجريات يمارسن الرقص والغناء والتسوُّل والنشل وكشف الطالع، ولكن لا يمارسن أي أعمال تنافي الآداب والأخلاق. وما تزال موسيقى الغجر بمذاقها الخاص. حيث حمل الغجر الموسيقى الغجرية والأوتار كأعمدة من أعمدة هويتهم. موسيقى الغجر هي موسيقى الترحال، التي ظلوا يحملونها في وجدانهم وآلاتهم الموسيقية، عسى أن تصبح تلك الموسيقى هوية بديلة وتعويضاً لهم عن هوية ظلت تعيش مشردة بلا وطن، لقرون طويلة ضائعة مفقودة. ولذلك لم يكن غريباً أن يظهر أولئك المستوحشون من المغنين المتجولين في الساحات العامة في أوطان مختلفة، تشكو أغانيهم الألم والوحدة. موسيقى الغجر، موسيقى الترحال، هي مزيج من روح الهند والشرق وروسيا وهنغاريا (المجر) وجبال اسبانيا، حيث في كل منفى أنبت الزمان لهم وتراً وإحساساً ونغماً. لكن مع ذلك الإذلال العنصري الممتد الذي يتعرض له الغجر في الدول الأوربية، لماذا تسكت منظمات حقوق الإنسانية الأوربية والأمريكية عن مأساتهم، أم أن لتلك المنظمات الأوربية (أسوة حسنة) في منظمات حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي تصمت عن إبادة وتشريد ونفي وإقصاء واضطهاد الهنود الحمر الذي يتمّ تحت سمعها وبصرها !.