بحري: سارة إبراهيم صلاح الدين عبد الحفيظ تصوير: محمد الفاتح كان القصد من الزيارة التعرُّف على تاريخ ناصعٍ من تاريخنا العسكري والسياسي السوداني، الفريق أحمد محمد حمد الجعلي، أول قائد عام للجيش السوداني، بل وتمّت سودنة الجيش السوداني على يده. من مواليد منطقة محمد قول بمديرية البحر الأحمر. حيث كان مولده في العام 1896م.. (الإنتباهة) التقت أسرة الفريق الراحل، وبابنه الوحيد، وأختيه. خاصةً أنّ هذه الأسرة بالرغم من أثر والدها الكبير كما قلنا في تاريخ السياسة والعسكرية السودانية، إلا أنّها كانت بعيدةً عن الأضواء. بالدرجة التي ذكر فيها ابنه (العميد م حسن) أنّ أول صحيفةٍ تزوره في دارهم هي الإنتباهة. * سعادة العميد حسن الجعلي، حدّثنا عن والدكم سعادة الفريق أحمد محمد الجعلي، أول قائد عام للجيش السوداني، مثلاً أين ولد ومتى، وأين تلقى تعليمه؟ والدي عليه رحمة الله ولد بمنطقة محمد قول، في العام 1896م، وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بمدرسة سواكن الأميرية، ثم التحق بعد ذلك بقسم المهندسين بكلية غُردون القديمة، قبل أنْ تُسمى ب (التذكارية) كتلميذ حربي، وتخرّج فيها في يناير من العام 1917م. نال والدي أوّل سيف شرف، وهذا السيف يُعطى لأفضل المُتخرجين في الدفعة. * وماذا عن الترقيات التي نالها؟ أول تخرجه التحق كضابط مهندس بالأشغال العسكرية بالجيش المصري في 1/1/1917م، وترقى إلى رتبة الملازم أول بعد عامين من ذلك، وتحديداً في 1/1/1919م، وترقى إلى رُتبة اليوزباشي وقتي (نقيب) في 31/5/1925م، ويوزباشي أصل، والأخيرة هي ترقية فوق العادة، في العام 1/6/1927م. وحالياً تُعادل رتبة اليوزباشي الآن رتبة نقيب، ورتبة الصاغ (رائد) في العام 1/6/1936م. ورتبة البكباشي (مقدّم) في العام 1/6/1949م. ورتبة القائم مقام (عقيد) في العام 6/6/1947م. وعُيّن مساعداً لقائد قوة دفاع السودان، وترقى الى رُتبة الأميرلاي (عميد) في العام 28/3/1950م. ثم إلى رتبة اللواء في العام 28/6/1951م. وبعد ذلك عُيّن مساعداً لنائب القائد العام للجيش السوداني في العام 1953م. وبعد ذلك ترقى إلى منصب مساعد القائد العام للجيش السوداني، وفي العام 1954م تولى منصب القائد العام للجيش مسودناً الوظيفة. وفي 1/4/ 1955م تمت ترقيته إلى رتبة الفريق. وأخيراً تقاعد في 28/6/6591م. بعد أنْ قدم نحو الأربعين عاماً كضابط عامل في الجيش السوداني، وقد اشترك خلال سنين عمله في كل دوريات استبيان الأمن السوداني، وهي دورات عسكرية حتمية لتأهيل الضباط لمنصب القائد العام. كما اشترك في الحرب العالمية الثانية في شرق إفريقيا، وواحات الكفرة وطبرق، بشمال إفريقيا. * مؤكد أنّ هذه الخدمة الطويلة التي خدمها الوالد بالجيش السوداني، قد نال أوسمةً وأنواطاً أو ميداليات بجانب الترقيات التي وصل بها إلى رتبة الفريق، ماذا عن الميداليات؟ كضابط أركان حرب القوات السودانية نال عدداً من الأوسمة والميداليات، حيث نال نيشان الضُباط الوطنيين، ونيشان النيل من الدرجة الخامسة، ونيشان الإمبراطورية البريطانية من درجة الضباط، وميدالية السودان لعام 1910م، وميدالية الخدمة العامة بالجيش السوداني. بجانب نجمة إفريقيا وميدالية الدفاع، وميدالية الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها. وهذه الأربع ميداليات الأخيرة تُمنح لمن خدموا واستحقوها في الحرب العالمية الثانية، وميدالية تتويج الملكة إليزابيث، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى الذي منحه له الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري في 14/8/1980م في احتفالات عيد الجيش. * عرّفنا على بقية الأسرة؟ لدي شقيقان هما: (محمد أحمد) و(إبراهيم)، وهما في رحمة الله، بجانب أربع شقيقات هُن (فاطمة ونفيسة ومريم)، وهؤلاء توفين إلى رحمة مولاهن، بجانب شقيقتي الوحيدة المتبقية على قيد الحياة وهي (علوية). متعها الله بالصحة والعافية، وأطال عمرها. * مَن مِن الأبناء أو الأحفاد من سار على ذات الطريق الذي سار عليه الوالد عليه رحمة الله؟ للأسف، من الأسرة كلها، أنا فقط الذي التحق بالحقل العسكري، كان ذلك في العام 1959م، حيث كنت ضمن الدفعة 13 في الكلية الحربية، وتخرّجت فيها في العام 1962م على يد المرحوم الفريق إبراهيم عبود، الرئيس الأسبق، طفت خلال عملي العسكري جميع ولايات السودان، وعملت في وحدات متعددة، أكثر الولايات التي عملت فيها هي الولايات الجنوبية. وأخيراً تقاعدتُ على المعاش في 1985م. وبعد التقاعد على المعاش عملتُ بالأعمال الحرة. * ما الذي تتذكره من صفات الوالد عليه رحمة الله؟ ما الذي تبقى لديك من ذكريات تخصه؟ نشأ أبي عليه الرحمة على البساطة في كل شيء، وعلى الحكمة، وكان في المنزل بمثابة الأخ الكبير، وليس الوالد، وليس العسكري، وغرس فينا الصفات الحميدة، والانضباط والتقوى والنظام والجرأة في اتخاذ القرارات. كان رحيماً بنا وعطوفاً. وكان بالإضافة إلى تلك الصفات يحرص سنوياً، وبصفة راتبةٍ على السفر إلى محمد قول، مسقط رأسه، في الشرق، هذه الزيارات الراتبة بغرض مواصلة صلة الرحم. أما بعد تقاعد الوالد على المعاش فعمل بشركة سودان ماركنتايل الهندسية لعدد من السنوات، وهي شركة إنجليزية. تحوّلت الشركة بعد ذلك إلى شركة (كردفان). * من تتذكّر من أصدقاء الوالد وزملائه؟ يتمتع أبي بعلاقات اجتماعية واسعة جداً مع أفراد المجتمع عامة ومع زملائه العسكريين السودانيين بصفة خاصة، بالإضافة للعسكرييين الأجانب، وتحديداً البريطانيين. وتربط الوالد علاقة قوية جداً مع عبد الله بكْ خليل، رحمه الله. وغيره من القيادات العسكرية والسياسية الأخرى. * هل للوالد أي انتماءات سياسية أو دينية؟ نشأنا في منزلٍ جميع مَنْ فيه ينتموا إلى طائفة الختمية، وكان والدي يحرص على قضاء بعض الأوقات مع بعض أقطاب الختمية، لكنه بالإضافة لذلك تربطه علاقات بقيادات من حزب الأمة بشكل شخصي. النظام والانضباط السيدة (علوية)، ابنة الفريق الراحل أحمد الجعلي، كانت حاضرة ونحن ندير الحوار مع شقيقها الأكبر سعادة العميد حسن، قالت بدورها ل (الإنتباهة) إنّ أباها كان أنموذجاً للأب الحنون والعطوف والمنضبط في ذات الوقت، تعلموا منه معنى الانضباط والنظام في حياتهم. كانت حياتهم كلها منضبطة ومرتبة ومنظمة، وكل شيء بميعادٍ معروف. فالأكل في مواعيد معروفة، ووقت النوم متفقٌ عليه. وأضافت السيدة علوية أنّ والدهم عليه الرحمة لو اتفق معهم على مواعيد، مثلاً إذا قال لنا أنْ نحضر في الساعة11 وتأخرنا دقيقة واحدة من الزمن المحدد، فإننا نعاقب على ذلك. وقالت إنّها حتى الآن لا تزال محافظة على ذلك النظام، بل وتطبقه على أبنائها. ختمية على السكين وتواصل السيدة علوية وذكرت أنّهم (ختميون)، وشدَّدت بأنْ قالت (نحنا ختمية على السكين)، وهذا مرده إلى والدهم، لدرجة أنّ أسماءهم التي سمّاهم بها كان تيمناً بسيدات الختمية: (نفيسة)، (مريم)، (فاطمة) و(علوية). وأشارت إلى أنّهم من أبْ ينتمي إلى الجعليين، وأم بشارية من شرق السودان. ومما تحفظه عن والدها بُعده وزهده في الإعلام، للدرجة التي وصاهم فيها عند وفاته ألا تكون جنازته رسمية. حيث توفي في 20 نوفمبر 1986م، ودفن بمقابر السيد المحجوب.