في أيام زورته للسودان طلب الأستاذ الأديب، المبارك إبراهيم، من الأستاذ العقاد أن يهديه صورته، لينشرها على صحيفة «النيل» القريبة من الحركة الاستقلالية، واستجاب الزائر لرجائه، وكتب على ظهر الصورة يقول: تفسيرُ حُلُمي بالجزيرة وقفتي بالمقرَن حُلُمَان حظُّهما خيالا دون حظِّ الأعين ما دمتُ بينهما فما أنا سائلٌ عن مسكني وإذا التذكُّر عاد بي عطَفَ الجديدُ فردَّني يا جيرةَ النِّيلِ المباركِ كلُّ نيلٍ موطني وله سَمِيٌّ في الصَّحا فةِ مُعربٌ لم يَلحن حَييْتُ فيه سَميَّه وحَمدتُ فيه مَأمنِي! و«الجزيرة» المذكورة في البيت هي الجزيرة المشهورة بأرض مصر. فتَغنَّ ما شاء التغني وافتن! وقد نشرت صحيفة «النيل» صورة الأستاذ العقاد، ممهورة بهذه الأبيات الطريفة، التي نظمها على ذات الرَّوِي، الأستاذ المبارك إبراهيم، وحيَّا فيها إمام الفكر والشعر، فقال: يا من نزلتَ أعاليَ الوا دي الحميدِ المأمن أهلاً فمنزلُك القلو بُ وفي سَوادِ الأعين ولأنتَ يابن النِّيل بَ قِعةُ البيانِ الأرصَن فتغنَّ في الخرطومِ ما شاء التَّغنِّي وافتن فالنِّيلُ في أرضِ الكنا نةِ مثلُه بالمقرَن «وله سميٌّ في الصَّحا فةِ مُعربٌ لم يَلحن» يلهَجْ برمزِ العبقر يةِ أو بديعِ الأزْمُن! والضمير في رمز العبقرية، وبديع الأزمن، في بيت المبارك الأخير، يؤوب بلا شك إلى العقاد! من كامل الباقر ومن وحي هذه الأبيات الكريمة، ومن وحي أبيات العقاد، أهدى أستاذنا، رائد الثقافة الإسلامية في السودان، العلامة الدكتور الشيخ كامل السيد محمد الباقر، هذه الأبيات، المرسلة على القافية نفسها، والرَّوِي ذاته، إلى الأستاذ العقاد، وقد نشرتها أيضًا صحيفة «النيل»: يا من رأى سحرَ الطبي عةِ في جمالِ المقرَن وأثارَه النيلُ المرقَّ قِ مُعْرباً لم يَلحَن ينسابُ كالأملِ الجمي لِ فلا يَكدُّ ولا يَنِي نيلٌ نُشيدُ بشطِّه صَرحً النُّهُوضِ ونبتني انزلْ فمنزلُك القلو بُ ومَأمنُ المستأمَن انزل به فهو الحَفِيِّ وفي سَوادِ الأعين يا من رأى في دوْحةِ ال خُرطُومِ أحْنىَ منزِل إبعثْ بشعركَ فهو كال وترِ الشجيِّ يهزُّني ردِّد نشيدَ النِّيلِ وانظِ مْ سِحرَه وتفنَّن جاوِبْ بلابلَه وغَرِّ دْ في حِماه ولحِّن! الإتحاديون والعقاد وعندما جاء دور صحيفة «صوت السودان»، لسان حال الحركة الاتحادية، ونشرت تحية عذبة للعقاد، رد عليها الزائر الكريم قائلاً: صوت من السُّودان أسْ معني بمصرَ فسرَّني تهفو له الأسْماعُ صَا غيةً ولم يستأذِن فيه بَشاشةُ وامِقٍ ومُبشرٍ ومُؤَمِّن لولا حفاوَتُه الكريمةُ ما علِمتُ بأنني فارقتُ من مصرَ الجديدة َذاتَ يومٍ مسكني شكراً له صوتاً تبَ يَّن من لِسانٍ بيِّن مستلهمٌ لغةَ القلو بِ مترجَمٌ بالأعين شملَ العُروبةَ كلَها وسرَى إليَّ فخصَّني ماذا أقولُ وقد سُبِ قْتُ بكل قولٍ مُمكن قِدمُ العهود أحبُّ لي من بدعةِ المتفَنِن من كان ديْدَنُه الصَّنا عةُ فالسَّليقةُ ديْدَني! ولبث العقاد سعيدًا بالفترة التي قضاها بالخرطوم، ولكنها لم تطل، حيث قفل عجِلاً بالطائرة، بعد أن أصابته ثآليل الخريف كما قال! وبعد أن آب إلى القاهرة كتب عن السودان، بمجلة «الهلال» وغيرها، وبكتابه «أنا» وغيره. وظل وفيًا لذكرى أيام زورته للسودان. فجزى الله خيرًا أدباء تلك الحقبة، الذين أحسنوا وِفادته، وصدَّقوا ظنه في السودان العظيم.