{ الشناقيط: الشاي والشعر والترحال الشناقيط عرب يسكُنون بلاد شنقيط في موريتانيا اشتهر الشناقيط بقوة الحافظة وسعة العلم فكانوا منذ الصغر يحفِّظون أبناءهم القرآن ومختصر خليل في الفقه المالكي يكتبونه على الألواح تماماً كما يكتبون القرآن، لا يفرقون في ذلك بين الرجال والنساء. وكانوا يقضون غالب أوقاتهم يتدارسون العلوم الإسلامية ويتطارحون الشعر العربي قال شاعرهم: ونحن ركبٌ من الأشراف منتظمٌ أجلُّ ذا العَصر قدراً دُون أدْنَانَا قد اتخذنا ظهور العَيس مدرسة بها نبيِّنُ دين الله تِبْيّانا الشناقيط بدو يحبون البادية وحياة التجوال وقد أحب الكثيرون منهم بادية الكبابيش لقربها من بلادهم، وأحبوا العيش فيها حيث يستمتعون بشرب لبن الإبل ولحم الصيد ونشر العلم بين البدو الذين وجدوهم أحوج الناس إلى العلم. كما إنهم كانوا يحبون الشاي لاسيما الشاي الأخضر الذي يقوم بصنعه الرجال ولا يتم «كيفُهم» إلا إذا أوقدوا ناره وشاهدوا غليانه وقد تصاعد منه الدّخان. ولهم في الشاي مجالس وأدبيات وأشعار سُئل أحدهم لماذا تحبون الشاي هكذا؟ فقال بلهجتهم المحببة: صحة البدن، رخصُ الثمن، صنع الوطن. ومن أقوالهم في الشاي وصنعه: ولا يَغرنّكَ صوتُ المَغرَج حتى ترى الدّخان منه يخْرُج وقول شاعرهم: وشُربُهُ عند الصباح أحسنُ لكنّهُ بعد العشا يُستحسنُ لانه وقت فرَاغ البال وتفرُغ النَفسُ من الأشغال وإنّما الباب عليك تَسْتدُلُ وأغلِقهُ حتى لا ثقِيلَ يَدْخُلُ وقد حُظيت المزروب بعدد من هؤلاء العلماء والشعراء من بلاد شنقيط، منهم من جاءها عابراً في طريقه إلى البادية مثال الشيخ المأمون والشاعر مولود ومنهم من استقر بها وتزوج فيها أمثال الشريف محجوب والشيخ محمد السالك. { الشيخ محمد السالك: وعاء ملئ حكمة وعلماً عالم من بلاد شنقيط أحب البادية وأحبته. زار في طريقه إلى بلاد الكبابيش المزروب عدة مرات فأحبه أهلها وتعلقوا به وأعجبه فيهم حبهم للعلم فدعوه إلى الإقامة بينهم حتى يستفيدوا من علمه. وراقت له المزروب لأنها تجمع بين البادية والحضر. تحلقوا حوله للدرس فوجدوه عالماً لا يُشق له غبارٌ في التفسير والحديث والفقه والأصول واللغة والشعر. حفظ المتُون وحاز الفنون. طلبوا منه أن يدرسوا عليه الفقه فقال لهم لا بدّ لكم من فرشة، فقرأ معهم تفسير الجلالين وكُتب السنة الصحاح الستة: البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وأبو داؤود. ثم قرأ معهم في الفقه كتاب «الرسالة» لأبي زيد القيرواني وفي اللغة كتاب «قطر الندى وبل الصدى». نظم مختصر خليل في ألف بيت واختصر ألفية ابن مالك في خمسمائة بيت. سألوه مرة عن «حتى» التي مات سيبويه وفي نفسه منها شيء فقال على الفور: «حتى» تكونُ حرفَ جرٍّ يا فتَى وحرف نصب لمضارعٍ أتَى وحرف عطفٍ ثم حرفِ إبتدا فهذه أربعة فقيّدا وطلبوا منه أمثلة على ذلك فقال: كمطلعِ الفجرِ وحتى يحْكُما والقومُ جاءوا كلُّهم حتى العِمَي يا عجباً حتى الكُلَيْبُ سبّني حتى الجِمالُ ما لَها من أرْسُنِ فما عرفوا أهي من رأسه أم من كراسه، من نظمه أم من حفظه!