«ربنا إذا أحبَّ المؤمن ابتلاه»، هكذا وُضع الامتحان الإلهي واقتضت حكمته تجاه عباده ليجني منها الدروس والعِبر والمواعظ التي يتعرَّض لها الإنسان للامتحان والابتلاءات لتكون الحياة مزيجًا من السعادة والشقاء والفرح والترح واللذائذ والآلام فيستحيل أن ترى فيها لذة غير مشوبة بألم أو صحة لا يكدرها سقم أو راحة لا يخالطها تعب أو اجتماع لا يعقبه فراق كل هذا ينافي طبيعة الحياة الدنيا فتبقى درجة تحمل هذا الابتلاء من شخص لآخر... «البيت الكبير » طرح الموضوع على أشخاص عاشوا ابتلاءات وقصصًا ترى ماذا قالوا... قصة أولى تقول إحدى مريضات الإيدز فضلت عدم ذكر اسمها كنتُ أشعر بدوار وحمى بأعضاء جسدى فلم يساورني أدنى شك بأني مريضة بالإيدز لإني كنت قلقة بعد نقل الدم لي مرارًا وتكرارًا بسبب مرض الهموفيليا، وعندما ذهبت لإجراء الفحوصات اتضح أني أحمل فيروس الإيدز والحمد لله لم يغير المرض في حياتي مطلقًا لأنني هيأت نفسي بالدعاء والاستعانة بالله لمنحي القوة والمنعة لتحمل المرض، وأشارت إلى أنها لم تعانِ من أي صعوبات في حياتها الاجتماعية والعملية بالرغم من النظرة الاجتماعية لحامل الفيروس، ولم يزدها ذلك إلا قربًا من الله، وتضيف: هذا أعطاني دافعًا لمواصلة حياتي، وتشير إلى أن وضعها النفسي والأسري لم يتغير مطلقًا فقد قابلته بصبر وجلد، وأنصح كل من يحمل مرضًا مستعصيًا بأن يحمد الله لأنه اختصه بنعمة الابتلاء والإصابات وهي تعلم الصبر وأن يحمد الآخرون الله على نعمة الصحة والعافية وهي نعمة عظيمة رزقها الله لعباده لا تقدَّر بثمن. قصة ثانية يقول العم المحتسب فضل المولى إن الله تعالى قد يبتلي عبده بأخذ البصر عنه فهو نعمة من النعم الجليلة يوم ترى الحياة وتتذوق الجمال وتتعرف على الأشياء والذوات والأشخاص بالعينين، لكن إذا حكم الله بطمس نورهما فمالك من حيلة إلا الصبر والتسليم، ويقول: منذ نعومة أظافري فقد ابتُليت بعمى في عينيّ، وعندما كبرت ظللت ألح على والدتي وأسأل مرارًا وتكرارًا لماذا من دون إخوتي لا أرى الأشياء وأستمتع بالحياة فتقول لي إن الله اختارك أنت لتكون أفضل من إخوتك فآثرت الصبر على البلاء وعندما سمعتُ حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه في الحديث قال رب العزة «من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة»، فدائمًا الابتلاء وراءه الأجر والمثوبة وانتظار العوض يوم لاينفع فيه إلا العمل الصالح. قصة ثالثة وتروي «عواطف» قصتها مع الابتلاء بكل صبر وجلد فقد ذرفت عيناي وهي تحكي بمصابها في أبنائها الخمسة تقول: أنجبت طفلين توائم مثل الملائكة ترعرعوا بالمنزل وقد ملأوه صياحًا وفرحًا، وتمضي عواطف بالقول مسترسلة: ذهبنا إلى رحلة بالنيل وبينما نحن في قمة الأنس ذهب الصغيران تجاه الماء وغرقا بمياه النيل فقد كانت يد المنون أقرب إليهما، مات الصغيران وبهول الصدمة التي انتابت الجميع اخذت ركن قصيًا وسجدت باكية طالبة من رب العالمين الصبر الجميل قد ظنوا بي الظنون واتهمونى بالجنون لأني لم أبك على فراق أبنائي، لم تمضِ شهور إلا وقد لحقت بهما أختهما الكبرى في حادث حركة مؤلم فاحتسبتها هي الأخرى وبعد مرور سنتين على حادثة ابنتي الكبرى فقد كنت مع أبنائي الاثنين بالمطبخ للإعداد العشاء في رمضان فقد تسرب أنبوب الغاز وأدى إلى انفجار راح ضحيته أبنائي الاثنين وأُصبت بجروح بالغة ظللت من جرائه طريحة الفراش لمدة، فقد فرغ المنزل من الجميع، فالحمدلله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، عسى ربي أن يجمعني بهم يوم القيامة في جنة عرضها الأرض والسماء. الابتلاء يكفِّر الذنوب ولاستصحاب رأي الدين في الموضوع تحدث شيخ سراج الدين عمر ل «البيت الكبير» قائلاً: الموضوع في حد ذاته شائق ويهم القارئ جدًا حيث دلف إلى الموضوع مباشرة قائلاً إن ما يصيب المسلم من النصب والوصب والوهم والحزن والغم والأذى جله مصائب وابتلاءات من الله عز وجل حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها خطاياه، وذكر أن العلاج يكمن في التزام الصبر، ولهذا فإن خير ما تواجه به تقلبات الحياة ومصائب الدنيا الصبر على الشدائد والمصائب والصبر الذي يمتنع معه العبد من فعل ما لا يحسن وما لا يليق، وحقيقته حبس النفس عن الجزع واللسان عن الشكوى والجوارح عن لطم الخدود ونحوها هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وقد ذُكر في القرآن في مواضع كثيرة أجر الاحتساب والصبر على البلاء، وقصة سيدنا أيوب عليه السلام خير دليل على الصبر فقد ابتلي في صحته بالمرض وفي المال والولد فقد واجهها بكل صبر وجلد، وقصة سيدنا يعقوب على فراق يوسف فقد قابلها بالصبر فصبر جميل والله المستعان.