بعد حصار الثوار للخرطوم، قرَّرت بريطانيا استخدام أسلحة الدمار الشامل في السودان. حيث استخدمت الأسلحة البيولوجية. فأمطرت ثوار تحرير السودان ب(دانات الجدري) ثمَّ (التايفويد). إستخدم الجنرال غردون الأسلحة البيولوجية ضد الثوار السودانيين، فقصفهم بدانات الجدري ونشر الوباء بينهم خاصة قوات الأمير عبد الرحمن النجومي، وهي القوة العسكرية الضاربة التي قادت بنجاح معركة إسقاط غردون وتحرير الخرطوم. ثمَّ ازداد حصار الثوار للخرطوم، فأرسلت بريطانيا قوات عسكرية بقيادة اللورد (ولسلي) وبرفقتها شحنات جديدة من الأسلحة البيولوجية لاستخدامها ضد الثوار السودانيين. ويوضح كتاب (كرامة إنجلترا. المؤلف چ. سيمونز ENGLAND'S PRIDE J.SYMONS. H.H LONDON1965 وعدد وافر من المراجع الأخرى، أن اللورد (ولسلي) استلم صناديق التايفويد وأوكل ترحيلها إلى الجنرال (وود) قائد القوات البريطانية بمصر الذي أشرف على نقل (96) صندوقاً من التايفويد، والجنرال (بولر) نائب قائد حملة النّيل لإنقاذ غردون الذي كانت محمولاته من صناديق التايفويد أربعين جملاً. وأعلن ضباط المخابرات لجنود الحملة (حملة النيل أو حملة إنقاذ غردون) أن تلك المحمولات التي تحت إشراف الجنرال (وود) والجنرال (بولر) هي مأكولات جيدة وشمبانيا وخمور. المحمولات (136) جملاً. وطلب اللورد (ولسلي) من الجنرالين (وود) و(بولر) تسليم محمولاتهما من صناديق التايفويد إلى السير (هربرت ستيوارت). كانت محمولات الجنرالين في الحقيقة، هي علب(كورندبيف) Corned Beef المعلَّب والملوّث ب (سالمونيلا) التايفويد، وقد وضعت معها صناديق (شمبانيا) و(ويسكي) و(بورت) للتمويه. مخابرات حملة النيل (حملة إنقاذ غردون) كانت فرعاً مستقلاً من جهاز ضخم تابع لجيش الإحتلال البريطاني في مصر. كان اللورد (ولسلي) يمسك بجميع خيوط مخابرات حملة النيل. في مصر كانت المخابرات تُعطَى أهمية ومركزاً خاصاً في جيش الإحتلال. قام اللورد (ولسلي) بتعيين السير (شارلس ويلسون) قائداً لمخابرات حملة النيل. وكان من مساعدي (ويلسون) في مهمته كولونيل (كولفيل) وميجور(ترنر)، وهما من أشراف الإنجليز. ولكن بالطبع الذين يخصصونهم في الحرب البيولوجية لن يكونوا من أشراف الإنجليز. ومن هؤلاء غير الأشراف كان ثالوث ضباط المخابرات ميجور (دكسون) وكابتن (كاسكوان) و (ليوتاننت ستيوارت وورتلي). وقد ظهرت أسماء ذلك الثالوث في أوامر (ولسلي) إلى طابور الصحراء. وكان اللورد (ولسلي) قد قسم الحملة إلى طابورين هما (طابور الصحراء الطائر) و(طابور النهر). أصدر (ولسلي) أوامره بأن عند وصول حملة الإنقاذ إلى الخرطوم، أن يبقى ضباط المخابرات الثلاثة أولئك المتخصصين في الحرب البيولوجية مع الجنرال غردون. الضباط الثلاثة هم (ميجور دكسون)، (كابتن كاسكوان)، (ليوتاننت استيوارت وورتلي). كما أصدر اللورد (ولسلي) أمراً يمنع أي مراسل صحفي من الذهاب إلى الخرطوم برفقة السير (شارلس ويلسون) قائد استخبارات حملة الإنقاذ. حيث كان (ويلسون) يحمل خطاباً سرياً من (ولسلي) إلى (غردون). وقد خشيت حكومة صاحبة الجلالة أي الحكومة البريطانية من تسُّرب مدلول الخطاب، فحظرت على الصحفيين الذهاب إلى الخرطوم. وردت تلك المعلومات في كتاب (مع سلاح الهجانة فوق النيل) لمؤلفه (الكونت لورد قلايشن). بذلك تكون قد وضحت الخطة البريطانية للحرب البيولوجية في السودان. بهذه التعليمات ومحمولات الجنرالين (وود) و(بولر) التي سُلِّمت إلى (طابور الصحراء)، أصبحت الخطة البريطانية واضحة جداً. هناك ثلاث حقائق تكشف عنها تلك الخطة وهي أولاً: أن اللورد (ولسلي) كان يتوقع أن يتمكن الجنرال غردون من إنتاج الجراثيم لحرب المهدي لذلك كان متشدداً جداً في أوامره بعدم نزول قوات (سسكس) بالخرطوم، ثانياً أوضح (ولسلي) أن الذين يبقون في الخرطوم هم فقط ضباط المخابرات الثلاثة المختصين في الحرب البيولوجية، ثالثاً أوضح اللورد (ولسلي) قائد حملة إنقاذ غردون أنه لا يريد إرسال قوات مباشرة لدعم الجنرال غردون، لأن الدعم الذي يحتاج إليه غردون ليس دعماً عسكرياً بل جرثومياً. أما ضحايا الجنود الإنجليز من الجراثيم التي كانوا يحملونها للحرب البيولوجية في السودان، فكان واحداً منهم جندي المشاة الراكبة الذي مات بعد أن ظهر عليه المرض في دنقلا. ومنهم الجندي (توم لينسون) من قوات (سكوتس قاردز) الذي توفي في وقفة عيد الميلاد (24/12/1884م). ولم يتورَّع الأطباء من إعلان التشخيص الصحيح لوفاته بأنَّه مات بالتايفويد. دفِن (توم لينسون) في كورتي. وردت تلك المعلومات في كتاب (مع سلاح الهجانة إلى أعلى النهر) لمؤلفه الكونت لورد (قلايشن). ذلك (الشاب الكاتب الفنان ابن العظماء الذي كان مشاركاً بفعالية في حملة النيل وصبر صبراً أسطورياً). تجدر الإشارة إلى أن الإصابة بالتايفويد لا تحدث فقط عند تناول وجبة كاملة ملوثة بجراثيم التايفويد، إنما يكفي للإصابة لمس العلبة المصابة من الخارج. غداً ... بريطانيا ترسل باخرتين تحملان التايفويد إلى الخرطوم.