معظم قيادات المؤتمر الوطني تقول خلال الخطب التي تلقى في اللقاءات الجماهيرية أو التنظيمية إن البلاد تمرّ بمنعرجٍ خطير وتحدِّيات كبيرة رغم أن تلك التحدّيات والمنعرجات قد تكون معلومة لكل الناس بحكم ملامستها للواقع اليومي للجماهير، وربما يقول أحد إن الوطني أصبح لا ينفعل بتلك القضايا أو لا يعيرها اهتمامًا ولكن يبرِّر قياداته بأن تلك القضايا والمنعرجات ليست في البلاد وحدها ولكنها سحابة تغشى كل العالم، وبعد انفصال الجنوب أصبح السودان يواجِه واقعًا جديدًا وتحدّيات تشكِّل مهدّدات يصعب التعامل معها إذا لم تتعامل معها برؤى جديدة.. القطاع السياسي بالوطني من خلال مؤتمره يعمل على تقديم رؤية جديدة للساحة السياسية.. جلسنا مع رئيس القطاع د. قطبي المهدي رغم مشغولياته بالتحضير للمؤتمر ليحدِّثنا عن تلك الرؤية الجديدة بجانب القضايا السياسية بالبلاد فماذا قال.. في البدء نريد قراءة الواقع السياسي على ضوء المتغيِّرات الجديدة بالبلاد؟ اعتدل في جلسته وقال: كما لاحظت الآن نحن نتحدّث عن مرحلة جديدة من تاريخ السودان البعض سمّاها الجمهورية الثانية، ومن ثم ما نتوقّعه في المستقبل يستوجب النظر إلى الوضع الموجود الآن، وحقيقة نحن في هذا الوضع حقّقنا نقلة كبيرة جدًا من الماضي. مقاطعة: لكن المراقب يرى عكس ما تقول؟ بالعكس، إن السودان الآن بلد فدرالي وتعتبر هذه نقلة مهمة في هيكل الدولة، إلى جانب هناك ديمقراطية استطعنا أن نطوّر في النظام الديمقراطي نوعًا ما وأصبح الآن لدينا قانون للأحزاب ومن ثم هذه خطوة نحو الإصلاح السياسي إلى جانب ذلك لدينا الآن انتخابات مراقبة دولياً لم تكن موجودة في السابق، ومن ثم الأحزاب فرضت عليها التطوّرات الداخلية في المجتمع السوداني أن تقدِّم نفسها للمجتمع السوداني بصورة أكثر تقدّمًا؛ لأنها ما عادت هنالك مناطق مغلقة في السودان وما عادت الطائفية تتحكّم في القرار الجماهيري وأصبحت تتمتّع بقدرٍ من الحرية في خياراتها السياسية.. وما تعبر عنه الأغلبية الصامتة هي أغلبية غير منتمية وإنما تحكم على قياداتها ببرامجها وقدراتها ومن ثم هذا واقع سياسي نقلنا نقلة كبيرة من الماضي. إذن هذا يعني أنكم تطرحون واقعًا جديدًا للحياة السياسية في السودان؟ نعم بالتأكيد هو تطوير للواقع السياسي السوداني، هناك مجالات أخرى مثل الوضع الاقتصادي، على الرغم من حديث الناس عن المعاناة لكن هذا شيء معروف في كل دول العالم حتى أمريكا تعاني، ولكن هل هناك نقلة كبيرة حدثت في السودان أم لا، الآن الاقتصاد السودان يقاس ب «70 مليارًا» أو تزيد في حين أن السبعينيات كانت عدة مليارات هناك نقلة كبيرة في تطوير البنيات التحتية، والسودان رغم المشكلات التي يعاني منها أصبح جاذبًا للاستثمار، ونتطلّع من خلال الجمهورية الثانية إلى أن يتضاعف مستوى التطوّر في البلاد حتى تخرج البلاد من دائرة الاستقلال إلى تحقيق المشروع النهضوي الوطني. لكن البعض يعيب عليكم الانفراد بالحكم؟ قال بشدّة: «طيب» أنت في النهاية «أديت» الشعب السوداني الخيار بأن يفوّض قيادات سياسية تقود البلد وهو ما طرحناه في الانتخابات من برامج ومرشحين، من ثم المؤتمر الوطني لديه تفويض عن الشعب السوداني «والمفوض لا يفوض» ولكن مع كل هذا الرئيس البشير عقب الانتخابات مباشرة رغم اكتساحه النتيجة إلى جانب حزبه أعلن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة ولذلك الحديث حول الانفراد بالحكم غير صحيح.. وإذا كنا نحكم السودان الآن فإن ذلك بتفويض من الشعب السوداني ومن ثم هذه هي الديمقراطية ونحن الآن توجهاتنا نحو الوحدة والديمقراطية والمشاركة وإدارتنا للحوار مع كل الأحزاب السودانية بلا استثناء لم يتغيّر. دكتور حجم القضايا والمشكلات في السودان يحتِّم على القائمين فتح المجال للمشاركة في الهمّ الوطني؟ هذا صحيح وأنت كما ترى في قضية دارفور عملنا حوارًا واسعًا ومفاوضات متطاولة والآن لدينا شراكة في دارفور فيما يتعلّق بالحكومة المقبلة عدا الأحزاب التي اختارت أن لا تشارك بل أصرّت أن لا تدخل معنا في أي نوع من التفاهم بل تسعى مع سبق الإصرار لإسقاط الحكومة، أما بقية الأحزاب فكلها سوف تشارك في الحكومة. ألا ترى أن هناك فرقًا بين الحكومة القومية التي تدعو لها المعارضة وحكومة القاعدة العريضة التي يطرحها المؤتمر الوطني؟ بالتأكيد هنالك فرق كبير جدًا بين ذلك وما تدعو إليه المعارضة وهو أنها تسعى إلى إسقاط النظام وتعطيل نتيجة الانتخابات وتعطيل العملية الانتخابية وحل الحكومة تمامًا وتشكيل حكومة قومية من كل الأحزاب ولكن ما ندعو إليه الآن رغم التفويض الشعبي نحن نلتزم بالديمقراطية ومع ذلك نظرتنا ليست نظرة حزبية فقط وإنما وطنية أن نشرك القوى السياسية معنا في الهم العام. لكن المعارضة تتّهم الوطني بتحويل الجمهورية الثانية إلى نظام إسلامي؟ هذه تهمة لا ننفيها على الإطلاق نحن مسلمون نمثل الشعب السوداني المسلم وخضنا الانتخابات ببرنامج إسلامي، ونعتقد أن الحكومة أو التوجّه الإسلامي هو تعبير عن عقيدة الشعب ومعتقدات وقيم الأمة السودانية إذا كان هناك من يريد أن يفرض على الأمة السودانية قيمًا ومعتقدات تناقض معتقدات الأمة السودانية هذا شأنه لكن نحن لنا تعبير عن تطلعات الأمة وعن عقيدتها وقيمها وأصالتها لذلك اختارنا الشعب. لكن تمسككم بالتوجّه الإسلامي يُبعِد عنكم الحوار حول الوفاق مع القوى السياسية؟ لا، هذا غير صحيح معظم القوى السياسية ليس لها اعتراض على الإسلام هي جلّها أحزاب منتمية لهذه الأمة وتاريخها عدا بعض الأحزاب التي اختارت حسب فلسفتها المادية اختارت أن تصبح علمانية ولا يعنيها ذلك وهي أحزاب معروفة ولا تمثل حقيقة شيئًا. البعض يرى أن الوطني لا يقدّم تنازلات ويريد من الآخرين ذلك لصالح الوفاق؟ هذا كلام غير صحيح نحن خلال الفترة الماضية من حكمنا ما كنا نحكم وحدنا كنا نتنازل عن مقاعدنا في البرلمان وعن بعض الدوائر الانتخابية للأحزاب الأخرى إلى جانب الوزارات لأحزاب أخرى.. رغم الحديث السابق وأنتم تطرحون رؤية جديدة لحكم البلاد لماذا لا تشاركون بقية القوى السياسية؟ قال بغضب: يا سيدي لا أدري إن كان الرأي العام ممثلاً في الصحافة يتابع هذه الأشياء أم لا، نحن في حالة حوار مع القوى السياسية منذ الانتخابات حول القضايا الكبرى التي تواجِه البلاد إلى جانب حوار حول الثوابت الوطنية والدستور وشكل الحكم، وأجرينا الحوارات مع كل الأحزاب دون استثناء بل تجاوزنا الأحزاب إلى مراكز الدراسات الأكاديمية والفئات الشعبية الكبيرة. هل تطرحون رؤية جديدة للقوى السياسية؟ نعم هذه هي القضية للانتقال من دائرة الأزمات إلى دائرة البناء الوطني. ولكن دائرة الأزمات ما زالت مشتعلة في بعض المناطق بالبلاد؟ هذا صحيح ومن ثم المقصود من الحديث أن نطالب القوى السياسية والجهات التي تنساق وراء هذه الأزمات التي نعتقد أن معظمها مصطنعة لجهات تريد أن تستنزف موارد البلد بأن لا تكون معاول تقدم هذه المخططات، ثانيًا نريد محاصرة هذه الأزمات حتى لا تؤثر على مواردنا والعمل على محاصرة تلك الأزمات في نطاق ضيّق والانطلاق نحو البناء والنهضة. هذا الحديث من جانبكم فقط لكن ما هي درجة قبوله لدى القوى السياسية؟ نعتقد أننا في مشكلة دارفور نجحنا لحدٍ كبير، ونعتقد أننا في النيل الأزرق حاصرنا الأزمة التي يمكن أن تؤدي إلى مشكلات كبيرة وفي جبال النوبة استطعنا محاصرة التمرد وعزله من الرأي العام في الولاية وكثير من قيادات الحركة الشعبية رفضت الحرب وتمسكت بالسلام وبالاتفاقيات المبرمة منذ اتفاقية السلام أعتقد أننا خطونا في هذا الاتجاه ونأمل أن تسهم زيارة سلفا كير للخرطوم في محاصرة هذه المشكلات، إن معظم الحركات بعد محاصرتها مع دول الجوار خاصة ليبيا الآن اتجهت نحو حكومة الجنوب إذا تم إقناعهم بأن ذلك ليس في مصلحتهم الاستمرار في خلق المشكلات وأن السلام مهم للبلدين ومن ثم نكون قطعنا آخر خط إمداد لهذه الحركات ومن ثم بقية الأزمات في طريق الانحسار.