من دون أن نستجيب لشرطه التعسفي العجيب الذي قضى بأن نقوم بإدانة مادة بعينها من مواد القانون الجنائي الإسلامي السوداني حتى يتنازل لمنازلتنا فكريًا جاء المؤلف مضطرًا كي يجادلنا. وقد كان له الحق أن ييأس من أن نستجيب لطلبه هذا الغريب العجيب الذي ما رأينا له مثلاً في المعارك الفكرية التي دارت في العصر القريب. ولكنها عادة التقدميين اليساريين الفاسدين استبدَّت به وتمادت معه حتى أصدر شرطه هذا الرهيب. وما كان لنا أن نستجيب لشرطه حتى لو وافق رأينا فلسنا ممن يستجيب لشروط الضغط والابتزاز. لاسيما إن جاءت من ملحد رذيل غير نبيل. التباكي الطفولي وتشكّي المؤلف من صحيفة «الإنتباهة» لأنها نشرت مقالات في نقد كتابه بدعوى أنه لم يتح للقارئ السوداني أن يطلع على كتابه ابتداء ولا يمكنه الحصول عليه إن أراده. وقال: «ماذا عن القراء العاديين في بلد مثل السودان مثلاً ماذا عن القراء الذين قرأوا ما كتبه عن الكتاب في صحيفة «الإنتباهة»، هب أن قارئًا من هؤلاء أراد قراءة الكتاب ليُكَوِّن رأيه المستقل عنه، كيف سيحصل هذا القارئ على الكتاب؟». وما أدري ماذا كان واجب «الإنتباهة» إزاء كتابه؛ أكان من واجبها أن تنشر فصولاً منه، أم تستكتب مؤلفه ليقوم بعرضه والدفاع عنه على صفحاتها؟ ليس من العدل طبعًا أن تكلف الآخرين بأن يبادروا بخدمة فكرك والدفاع عن رأيك والترويج له. لاسيما إن كانوا يخالفونك الفكر والرأي. وما أظن كتاب «الإنتباهة» إلا كذلك. وحتى لو رفضت «الإنتباهة» نشر مقالات لك بادرت بإرسالها إليها فلها الحق في ذلك بموجب مبدأ الحرية نفسه، فهي حرة لكي تنشر ما تشاء نشره، وترفض نشر ما لا تشاء نشره مما يخالف عقيدتها ورسالتها المهنية. فلن تقف «الإنتباهة» محايدة فيما أعتقد إن تعرض كاتب لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالتحقير. وليس من واجبها أن تنشر رأي كاتب مجدف طائش يجهر بإلحاده ويسيء إلى ثوابت العباد في البلاد. تمامًا كما لا يجب على أي صحيفة بريطانية محترمة أن تنشر تجديفات كاتب طائش يصادم ثوابت الإنجليز الثقافية السياسية بالمطالبة بإلغاء النظام الملكي البريطاني وتشييد نظام جمهوري على أنقاضه. وتمامًا كما لا تلتزم أي صحيفة أمريكية محترمة بنشر تجديفات كاتب طائش يصادم ثوابت الأمريكان الثقافية السياسية بالمطالبة بإلغاء النظام الجمهوري الأمريكي وإحلال نظام ملكي محله. ولا أظن أن الدكتور قد أرسل بمقالات منه إلى «الإنتباهة» ولو لمجرد اختبار موقفها منه. ولا أظنه حاول تسويق كتابه البغيض في السودان وعجز عن ذلك أو حيل بينه وبين بيعه هناك. فكثير من كتب الإلحاد أراها مبثوثة بمعارض الكتب التي تقام بالخرطوم، وبمكتبات السودان التجارية والعامة، مثل كتب عبد الله القصيمي، وصادق جلال العظم، وحسين مروَّة، وأدونيس، وغيرهم من عتاة الملحدين العرب الناقلين عن الغرب. وتجد هنالك أيضًا كتب الملحدين الغربيين، فكتب جورج هيجل، وكارل ماركس، وبرتراند رسل، وغيرهم ما تزال تُعرض وتباع بالخرطوم. وهب أن المؤلف حاول تسويق كتابه بالسودان ومُنع أما كان بمقدوره أن يقوم بتهريب نسخه إلى الداخل أو يبيحه مجانًا لقراء الشابكة الدولية للمعلومات؟! لقد كان بمقدور المؤلف أن يلجأ إلى شيء من ذلك لو كان جادًا وذلك بدلاً من أن يمعن في التباكي وبثِّ صراخ الشكوى والاستعطاف. ولكنه هدف من وراء صراخه إلى تحقيق هدف خبيث فحواه اتهام خصومه من أحباب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنصاره والمدافعين عنه بأنهم من أعداء الرأي الحر ودعاة إلى مصادرة الكتاب. وفي الواقع فإن أحدًا من هؤلاء لم يدع إلى مصادرة الكتاب وإنما سعوا إلى منازلة كاتبه الأثيم ومقارعته الرأي بالرأي. فليكف المؤلف إذن عن التخلق بأخلاق صغار الأطفال في التباكي ورفع العقيرة بالضجيج والزعيق. إدمان السرقة من التراث الاستشراقي الإسرائيلي جاء الدكتور يجادلني ويقول إني توهمت أنه نقل شبهاته وترهاته من جمهرة المستشرقين الإسرائيليين. وعبثًا حاول السارق أن ينفي عن نفسه تهمة السرقة من مستشرقي بني إسرائيل فقال إن: «مقالات السيد محمد وقيع الله نموذج صارخ على ذلك إذ نسبني لعدد من المستشرقين اليهود الذين خطروا بباله». وواضح ما في عبارة المؤلف من ضعف وهشاشة وهلامية لا تغني عنه من الحق شيئًا ولا ترد عنه تهمتي الموجهة إليه ولا تدحض ثبوتها الأكيد. فقد أوردت بجانب نصوصه ما يماثل محتوياتها من كتب المستشرقين الإسرائيليين. ولو أراد المؤلف أن ينفي عنه التهمة فما أمامه سوى أحد سبيلين: أن يزعم أن المستشرقين من بني إسرائيل قد سرقوا منه. وهذا محال لأنهم أقدم منه في التاريخ فلا يُعقل أن يأخذ المتقدم عن المتأخر. أو أن يلجأ إلى منهجيتي تحليل المحتوى والتحليل المقارن، فيفحص النصين: نصه الذي أنشأه اعتمادًا على النص الإسرائيلي، والنص الإسرائيلي الأصلي، فيثبت أنهما غير متشابهين، وأن التشابه الموهوم إنما مجرد خاطر جال ببال محمد وقيع الله فقط. ولا شك أن المؤلف أعجز عن سلوك هذا السبيل الثاني. لأنه أصعب من السبيل الأول الذي قلنا إنه محال!