العشرات، بل المئات من الناس تراهم في الأسواق... وأنا أعلم أن هناك ثلاثة احتمالات لذهاب أي شخص للسوق... فإما أن يكون ذلك الشخص ذهب ليبيع شيئاً أو ليشتري شيئاً أو لسبب ثالث فاتني أن أذكره وخانتني الذاكرة أن أتذكره. وإذا كان البيع فن فإن الشراء أيها القراء المفترض فيه أن يكون فناً ولكن لم أكن أعلم أن هناك فناً رفيعاً في الشراء امتازت به بعض النسوة عندنا هنا في السودان حتى كان ذات يوم عندما كنت «أستريح» في أحد المحلات بالسوق الجديد الذي اتخذ من جوار فندق صحارى مكاناً له. دخل أحد الرجال ذلك المحل ودخلت من خلفه سيدة تشير كل الدلائل إلى أنها زوجة ذلك الرجل كما أن كل قرائن الأحوال كما تقول محاضر البوليس تشير إلى أن ذلك الرجل هو بعل لتلك السيدة. وكعادة السودانيين فإنهم يمشون أمتارًا وأمتارًا أمام زوجاتهم وبمجرد دخولهم إلى أحد المحلات التجارية تنقلب الآية وتبدأ الزوجة الإرسال. وقد بدأت تلك السيدة الإرسال بقولها: بالله عندكم فساتين جاهزة؟ ورد عليها البائع متسائلاً: لزول كبير ولا صغير لزول كبير؟ لزول كبير. وأخرج لها البائع رزمة من الفساتين بعضها طويل يصلح لامرأة قصيرة ليعطيها طولاً إضافيًا كالفلتر الذي يضاف إلى السيجارة وبعضها قصير يصلح لامرأة طويلة ليعطيها قصراً تناقصياً تماماً مثل السيجارة التي ليس لها فلتر... وبعض الفساتين ضيقة صنعت خصيصاً لتلبس تحت الجلد وبعض الفساتين بأكمام وبعضها بدون أكمام... وبعضها أكمام بدون فساتين وبعضها بدون أكمام بدون فساتين وعلى أية حال تقدر تقول تشكيلة «هايلة». وأخذت السيدة تقلب تلك الفساتين فترة أطول من الفستان الطويل «بشوية» ثم قالت موجهة الحديث لزوجها: دا مش زي فستان ناس عواطف؟ ويبدو على الزوج أنه لا يعرف عواطف هذه لكنه على أية حال أجاب: ايوه... افتكر زيو. واستمرت الزوجة في الإرسال... وهو فستان عواطف أصفر ولا أحمر؟ وتعلثم الزوج ولكنه واصل الإجابة: افتكر أصفر... واعترضت الزوجة: اصفر كيف... أظنه أحمر. فوافق الزوج على الفور: ايوه... أظنه أحمر... وقاطعته الزوجة: تفتكر شنو... يمكن يكون برتقالي... ماهو البرتقالي... لونه زي الأحمر. ووافق الزوج وهو يتمنى من الله أن يخرجه من هذه الورطة... قائلاً: ما هو كله واحد... وصاحت الزوجة: كله واحد كيف... أنا عايزة أعرف فستان ناس عواطف لونه شنو؟ ثم التفتت إلى البائع وسمعتني أخاطبه: يا حسن فقالت: اسمع يا حسن تفتكر فستان ناس عواطف كان أحمر ولا أصفر؟ وبما أن حسن لا يعرف عواطف ولكنه وجدها لا تفرق معه كثيراً طالما أن الاختيار بين احمر واصفر... فأجاب... اصفر. مش كدا يا عركي؟ وأجاب عركي: أظنه أحمر. فقال حسن: يا أخي فستان ناس عواطف بني: وثار جدل في المحل... أحمر... أصفر.... برتقالي..... بني..... لون زينب.... قوس قزح... إلخ. وحسمت الموضوع الزوجة بسؤال آخر: يا عركي... هو فستان ناس عواطف كان بأكمام ولا بدون أكمام؟ فاجاب عركي: بأكمام... وقاطعه أحمد: بأكمام كيف؟ أنت اصلو ما متذكر داك كان بدون أكمام... وتدخل حسن: يا أخ داك كان من النوع دا... نص كم. وثار جدل شديد هل فستان ناس عواطف بأكمام ؟... بدون أكمام... نص كم؟ أم نص نص؟ واستهوتنا هذه اللعبة جميعاً فليس فينا من عنده أدنى فكرة عن عواطف أو ناس عواطف أو فستانهم الذي أثار هذه المشكلة... والزوج المسكين تبدو عليه علامات المسكنة والحيرة وكل الذي يرجوه من رب العباد أن يحسم القوم هذه القضية التي هي في نظره ماهمية. والتفتت الزوجة نحو زوجها وهي تقول: أنت لاحظت فستان ناس عواطف عاملين ليهو حزام ولا لا؟ فاجاب الزوج المسكين: بس هو زي الفستان العندك دا... هسع دا عنده حزام ولا لا؟ أجابت الزوجة: دا عنده حزام. فصاح الزوج بابتهاج كأنما قد وجد حلاً: افتكر خلاص يبقى عنده حزام. وصاح أحمد: حزام بتاع إيه... يا أخي دا ما عنده حزام. وصاحت الزوجة: أيوة تمام. دا ما عنده حزام... خلاص دا ما زي فستان ناس عواطف... وتدخل عركي: أنا افتكر فستان ناس عواطف ما كان عنده حزام. ويجادل عركي بأن ذلك الفستان الذي هو فستان ناس عواطف عنده حزام عريض كمان. ويستمر الجدل حول وجود الحزام أو عدمه وتصر الزوجة أنها تريد أن تتأكد من شكل فستان ناس عواطف قبل أن تدفع نقودها ثمناً لفستان وهي غير متأكدة بصورة قاطعة أنه زي فستان ناس عواطف. وأتدخل أنا في الموضوع وأقول للزوج: شوفوا انتو كلكم غلطانين... ناس عواطف التفصيلة بتاعتهم مش تفصيلة فستان... ناس عواطف كان عندهم اسكيرت... وصاحت الزوجة بفرح: أي والله... نحنا من الصباح نتغالط ساكت... ما تقول لي هي الحكاية اسكيرت شوف بالله والتفتت نحو الزوج والذي أصابه وجوم دائم وهي تقول: اسمع اسكيرت ناس عواطف كان أحمر ولا أصفر؟ ونسقط كلنا مغشياً علينا وندخل في غيبونة مدنكلة. «من كتاب سلامات الذي صدر الشهر الماضي وفي انتظار التدشين مع ستة كتب أخرى. وغداً الحلقة 32 من تغريبة بني شقيش» آخر الكلام دُل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تهدِ هديَّة مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد..