كلما زرتُ جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم أو مررتُ بها قابلتُ طالبًا من الطلاب الذين درستهم في السودان قبل العام2000م أي قبل ذهابي إلى غرب إفريقيا للعمل في المركز الإسلامي لتعليم الشباب بالعاصمة الغانية أكرا.. وكلما قابلتُ واحدًا منهم أعطاني هواتف مجموعة من زملائه ممن جاءوا معه في تلك الفترة البعيدة ما زالوا في السودان والأمر لا يقتصر على معارفي بحسب طلاب بل هذه ظاهرة عامة فقلما يعود طالب إلى وطنه بعد أربعة أعوام . وحول أسباب بقاء الطلاب الوافدين من مختلف الدول الإفريقية لفترات طويلة بعد تخرجهم يقول الطالب / أبوبكر صالح من دولة بنين: التحضير ومتابعة الدراسات العليا هو السبب المباشر لبقاء الطلاب في السودان لفترات طويلة وأكثر من «90%» من الطلاب الأفارقة الموجودين في السودان بعد التخرج مرتبطون بدراسات عليا ؛ سواء أكان ارتباطهم منطقيا يعبِّر عن حاجة ملحة لنيل درجات علمية عليا للحصول على أوضاع مميزة في بلدانهم أو لوجود فرصة متاحة أو لعدم الرغبة في العودة إلى البلد لعدم وجود هدف واضح يسعى الدارس من أجله. فهناك طلاب عادوا إلى بلدانهم بعد التخرج مباشرة ولكنهم لم يجدوا شيئًا يفعلونه فعادوا إلى السودان وسجلوا للدراسات العليا ومستوى بعضهم ضعيف جدًا لا يملكون أي إرادة او قدرة على عمل شيء سواء حصلوا على درجة الماجستير والدكتوراهأو عادوا بالبكلاريوس ويضيف صالح سببًا آخر للتأخر وهو المشكلة المالية فقد يتخرج الطالب ويرغب في العودة ولكنه لا يجد قيمة تذكرة السفر فيمكث مضطرًا مدة قد تصل إلى سنة كاملة أحيانًا. أما الطالب / عبد الرحيم بولاجي «باحث دكتوراة من نيجيريا جاء إلى السودان في العام 1999م» فيرى أن الزواج واستقدام الزوجة للدراسة هو السبب المباشر للبقاء هنا لفترات طويلة أكثر من المعتاد حيث يعود الشخص إلى بلده قبل نهاية الدراسة فيتزوج ويعود بعد سنة او سنتين إلى بلده ليأتي بزوجته كي تتعلم وتبدأ الزوجة في الدراسة من المعهد ثم تنتقل إلى الجامعة فتأخذ خمس سنوات في أقل تقدير عندها يجد الطالب فرصة للتحضير وإكمال الدراسات العليا. ويؤكد أن عددًا كبيرًا من زملائه الذين جاءوا معه في العام 1999م أو بعده بفترة ما زالوا في السودان لم يرجعوا إلى دولهم والسبب هو الزواج واحضار الزوجات للدراسة. ويؤمن الطالب / ج ب من غرب إفريقيا على ما ذكر بولاجي فيما يتعلق بموضوع الزواج واستقدام الزوجة للدراسة فهو أيضًا متزوج ويقيم مع زوجته بحي الإنقاذ جنوبيالخرطوم والتي بدأت دراستها قبل سنتين وما تزال في منتصف الطريق ولكنه أضاف سببًا آخر وهو عقم إجراءات التسجيل في الدراسات العليا وإهمال بعض المشرفين وعدم جديتهم ويذكر عددًا من الإشكالات التي تعرض لها بعض زملائه ومعارفه فهناك من سلم بحثه للمشرف للمناقشة النهائية فأضاع المشرف البحث فاضطر الطالب لطباعة البحث من جديد فلم يعثر إلا على نسخة غير مصححة ومراجعة فهو ما يزال في إعادة المراجعة حتى الآن بعد أن كان على بعد خطوات من المناقشة والمغادرة ولقد تعرض هو شخصيًا لضياع أوراقه في مكتب المسجل لفترة تجاوزت ستة أشهر قبل أن يتم العثور عليها. يرى الأستاذ / أحمد بن عمر وهو موظف بإحدى المنظمات التطوعية العاملة في مجال رعاية الطلاب إن بقاء الطلاب في السودان بعد انتهاء دراسة البكالريوس ليست مطلوبة حتى وان كانت لمتابعة الدراسات العليا لأن معظم هؤلاء الطلاب يأتون من بيئات تحتاج لجهدهم الدعوي لارشاد ذويهم من المسلمين وإدخال غير المسلمين في الإسلام ويكفي للقيام بهذا الدور ما تعلموه في مرحلة البكالريوس. ويتفق معه في الرأي عدد كبير من المستطلعين ويرون أن ظروف السودان مواتية لبقاء الطلاب فهناك منظمات تدفع كفالات شهرية وهناك نظام تعليمي متساهل في قبول الطلاب للدراسات العليا بدون أي خبرة عملية في مجال تخصصهم وهو أمر غريب لم يكن معهودًا من قبل ولكنه ظهر مؤخرًا لما أصبحت «الدراسات العليا» تجارة تدر دخلاً كبيرًا للجامعات وللأساتذة الجامعيين استفاد منها السودانيون وها هي تتعداهم للطلاب الوافدين. ومن الاشكالات التي يعانيها الطلاب بسبب بقائهم في السودان بعد التخرج خاصة لمن لا يحظون بكفالة من المنظمات أنهم يلجأون أحيانًا لمزاولة أعمال لا تمت للعلم الذي تلقاه بصلة. ولقد استمرأ بعضهم بحسب مستطلًعين البقاء في السودان يستأجر بيتًا في جنوبالخرطوم يقيم فيه مع زوجته وأولاده يتعاون مع بعض المؤسسات الخيرية والمدارس القرآنية وفي تدريس اللغات «الإنجليزية و الفرنسية» ولا يرغب في العودة مجددًا إلى بلده، وهناك من عاد منفصلاً عن واقعه بسبب طول البقاء في السودان لا يعرف ماذا يفعل؟ يحمل درجة علمية رفيعة وتعرض عليه وظيفة في المدارس الابتدائية يتولاها معه خريجو المتوسطة والثانوي ممن لم يتحركوا شبرًا خارج بلدانهم.