بقرية الدبيبة وفي العام «1931م» وُلد الفنان سيد محمد خليفة داخل أسرة عُرفت بإحياء ليالي القرآن والمديح في تذكار ومحبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فظل الفتى مشدوداً بأصوات الطار والنوبة وخطرات الدراويش واستماعاً للقرآن الكريم مرتلاً بأصوات المقرئين. في هذا الجو الديني نشأ الفتى وظل هائماً بكل الموجود من حياة أهله وصفاتهم فلما اشتد عوده أرسل للعمل بالخرطوم مع أهله التجار وأصحاب الخبرة والدراية بالتجارة. لم ترق له حياة العمل المبكر ففكر في الدراسة حتى يصبح مثل الذين كان يقرأ عنهم حين توفر على قراءة الصحف حينها. فما إن حل العام «1950م» حتى أرسله أهله لمصر للدراسة بالأزهر الشريف حين وصوله لمصر لم تكن مصر مستقرة الأحوال السياسية، فأيامها كانت البلاد تغلي بأحداث جسام مع بداية الدراسة بالأزهر الشريف. بقي الفتي بمصر إلى حين بداية العام الدراسي الجديد. وأيامها التقى عددًا من السودانيين هناك فراقت له فكرة الالتحاق بمعهد الموسيقا الشرقية بالقاهرة فكان أن تم له ذلك في وجود إسماعيل عبد المعين هناك. أكمل الفتى دراسته في علم الموسيقا وعاد للسودان مشبعاً بالعلم الموسيقي، تغنى سيد خليفة في مصر بأغنيات عديدة، ومن عجب أن شهرته كانت بداياتها بمصر ثم السودان. منحت له الفرصة في الالتقاء بالشاعر السوداني والضابط بالجيش المصري وقتها عبد المنعم عبد الحي فأهداه أغنيتين هما (يا بانة) و(ابني عشك يا قماري). ومن مصادفات الأغنيتين أنهما ظهرتا فيما بعد داخل مسرحيتين من ضمن مسرحيات معهد التربية بخت الرضا وذلك بعد أن استخدمهما العملاق الأكاديمي والمسرحي أحمد الطيب أحمد داخل اثنين من المسرحيات التي كانت على خشبة مسرح بخت الرضا. حين عودته للسودان دلف نحو الإذاعة لتسجيل أغنياته فوجد كل ترحيب من أساطين العمل الإذاعي متولي عيد وحلمي إبراهيم ومحمد عبد الرحمن الخانجي. استهل سيد خليفة ظهوره الفني في السودان بأغنيات خفيفة الطابع مثل المامبو السوداني التي تغنى بها أولاً في مصر ثم أغنيات الحقيبة. تعاون العملاق مع عدد من الشعراء أبرزهم علي شبيكة وإسماعيل خورشيد وغيرهما فكانت أغنيات بطعم الرصانة والجمال. ومن أبرزها اغاني (زهرة الليلاك) لعلي شبيكة و«داري عينيك» لإسماعيل خورشيد وغيرهما. حين تلحينه لأشعار الشاعر المرهف إدريس جماع صمت الناس دهشة من ألحانها وموسيقاها العذبة فتغنى له بثلاث أغانٍ هي:- (غيرة) و(ربيع الحب) و(سؤال) فكانت غاية الجمال والروعة. في العام «1961م» حازت أغنيته (زهرة الليلاك) التي كتبها الشاعر علي شبيكة بجائزة أفضل أغنية تقدَّم بالمسرح القومي. نشر سيد خليفة الأغنية السودانية خارج الحدود فكان صاحب أكبر قدر من الرحلات الفنية لفنان سوداني، وكان قد بدأ هذه الرحلات الفنية منذ أبريل «1958م» بطشغند والهند وأغلب دول آسيا. تجلت عبقريته في تلحين رائعة التيجاني يوسف بشير (أنشودة الجن) فجعل منها غاية الجمال والروعة. تمكَّن من تلحين جميع أغنياته البالغة أكثر من سبعة وسبعين عملاً غنائياً بمفرده وهو سر من أسرار عبقريته. في جانب إبداعه في إيجاد قوالب لحنية للشعر الفصيح تبرز قدرته على تلحين أغنيات الشاعر الفذ حسن عوض أبو العلا وهي (أمل) و(أسراب الحسان) بالصورة التي جعلت منه واحداً من أساطين الألحان السودانية وهو الرابع في ترتيب عمالقة الألحان بعد كرومة وعبد الرحمن الريح ومن ثم شخصه. في بدايات العام «2001م» اشتدت علته فظل باسماً هاشاً باشاً كما العهد به حتى لاقى ربه في يوليو «2001م» بالأردن.