لم تغب الصين أو روسيا عن المشهد الاقتصادي السوداني، لكنهما سجلتا غياباً عن لعب دور سياسي في الأحداث التي شغلت الساحة السودانية والإفريقية، متمثلة في قضية دارفور والصراعات على الحدود بين السودان ودولة الجنوب في الحقبة الأخيرة، فترة طويلة، وربما أن الصين قد ابتعدت قليلاً بعد انفصال الجنوب مجاراة لمصالحها النفطية، لكنها لم تستطع البعد كلياً حيث أن مصير النفط بالجنوب أيضاً متعلق بالسودان، فعادت خلال هذه المحاولة التي تدعم فيها عقد قمة ثنائية بين الرئيس البشير ورئيس الجنوب سلفا كير ميارديت المرتبطة مصالحها بهما، حيث تحاول مع ثابو أمبيكى جمع الرئيسين في قمة ثنائية استثنائية الأسبوع القادم حسبما رشح في الأخبار، وقد أبدت الحكومة الجنوبية موافقتها على القمة مباشرة. وقد ارتبطت الصين بالسودان قبل الانفصال تلبية لمصالحها من خلال النفط، حيث كان السودان موحداً ينتج ما يقارب «600» برميل يومياً قابلة للزيادة، وكانت الصين هي المستثمر والمستفيد الأعظم من هذه الكمية الهائلة، لكن بعد الانفصال كان توجهها ناحية الجنوب أكثر نسبة لمصالحها، وتجاهلت إلى حد ما السودان إلا بعض الاستثمارات الضئيلة، وتماشياً مع مصالحها فقد عرضت على الجنوب في أبريل الماضي تمويلاً يعادل ثمانية مليارات دولار كما صرح بذلك الرئيس الجنوبى سلفا كير خلال زيارته للصين، لتمويل مشروعات الطرق وتوليد الطاقة المائية والبنية التحتية والزراعة ستقدم خلال العامين القادمين. والقمة التي ستعقد بين الرئيسين الأسبوع القادم إن تراضى الطرفان، توضح بجلاء أن الصين تريد الدخول بثقلها في الصراع الدائر بين السودان وجنوبه حول تصدير النفط وترسيم الحدود الذي أدى إلى وقف إنتاج النفط في البلدين اللذين يملكان أهم الموارد في إفريقيا والمستفيد الأكبر من ذلك دولة الصين، فهى تعتبر أكبر مستثمر للنفط فى جنوب السودان من خلال شركتي تشايناناشونال بتروليم كورب «سي. إن. بى. سي» وستنوب الحكوميتين العملاقتين فى مجال النفط. فهل يمكن للصين أن تكون فى الحياد وتلعب دوراً متوازناً مع الدولتين؟ وفي يونيو الماضي أعلنت الصين عبر مبعوثها للسودان أنها تسعى لتقريب وجهات النظر وإعادة الأمور بين الدولتين لطبيعتها، وقد تؤتي المبادرة الصينية الروسية أكلها نسبة لأن البلدين يحرصان على علاقات طيبة مع الدولتين، أو ربما فضحت الجانب المتعنت أمام المجتمع الدولي بعد فشل الاتحاد الإفريقي في تقارب وجهات النظر بين الطرفين، بل واستحالة الحل عبر البيت الإفريقي. وقد تلعب الصين لجانب مصالحها، لكن ما يجعل الأمر فيه شيء من الاتزان أن روسيا ليست لها مصالح تذكر في الجنوب، وربما تكون مصالحها أكثر في السودان من خلال الاتفاقيات التي وقعتها لتعدين الذهب والمعادن الأخرى في السودان، واتفاقيات التعاون العسكري والتقني مع السودان للدرجة التي اتهمتها فيها الولاياتالمتحدة سابقاً بخرقها لنظام العقوبات الأممية المفروض على السودان، فمصلحة الدولتين الاقتصادية تقتضي لعب دور سياسي مع الدولتين فهل تنجح الصين وروسيا في ما فشل فيه الاتحاد الإفريقي والآلية الإفريقية بقيادة الرئيس الجنوب إفريقي السلبق ثامبو أمبيكى؟خاصة أن الدولتين لهما ثقلهما العالمي ومن الدول العظمى التي تمتلك مقعداً في مجلس الأمن، ما يؤهلهما الضغط على طرفي الصراع، فضلاً عن أن روسيا تبحث لها عن موطئ قدم في إفريقيا، وقد صرح الوزير بالمجلس الأعلى للاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل لدى زيارته مع مساعد الرئيس لروسيا، بأن روسيا ستعود لإفريقيا عبر السودان.. فهل تنجح الدولتان في الحصول على حل للقضية الأكبر في الساحة الإفريقية التي أعيت حكماء إفريقيا؟