الطبيب المصري محمد حمد عمل في المستشفيات الميدانية في دارفور وفي ليبيا وفي سوريا، وعندما ساءت الأحوال في مصر توجه إلى المستشفى الميداني في رابعة العدوية، جرى لإسعاف مصاب ولكنه لم يستطع منعته رصاصة قناص من إكمال عمله الإنساني فوضعت الرصاصة نهاية ذلك الطبيب!! عمليات القتل التي يقوم بها القناصة أصبحت تستهدف الأطباء، وقد قُتل طبيب آخر في المستشفى الميداني بذات الرصاصة!! امرأة حملت بنتها الشهيدة ودفنتها ولم ترضَ أن تقيم عزاءً لفلذة كبدها بل عادت إلى ميدان رابعة العدوية، لتواصل احتجاجها السلمي في مواجهة رصاص القناصة!! قصص كثيرة تتردد عن ملاحم بطولية تصر فيها النساء على الوقوف أمام الرجال لاستقبال رصاص الغدر!! وضابط رفض إطلاق الرصاص على المواطنين العزل في رابعة العدوية، فإذا به يُطلق عليه هو الرصاص، ولا يشيع في جنازة عسكرية بل إن الذين قاموا بتشييعه هم المعتصمون ورغم ذلك جاءت التقارير أن ضابطاً قد تم اغتياله بواسطة المعتصمين!! وقناص آخر قتل أحد المعتصمين وعندما رجع لمنزله وجد أن عزاءً بالمنزل واكتشف أن الذي قام بقتله هو أحد أفراد أسرته ودخل في حالة من الجنون!! هذه بعض مشاهد مما يدور في مصر الآن!! هذه الملاحم وضعت النظام الانقلابي الحاكم في حيرة، فبعد تفويض الرئيس المعين لرئيس الوزراء بفض الاعتصامات، قام رئيس الوزراء بتفويض مجلس الوزراء الذي قام بدوره بتفويض وزير الداخلية، الذي بدوره بدأ التنصل من المهمة!! ودخل السياسيون والأفراد المعادون للرئيس مرسي حلبة الصراع، وعينوا أنفسهم جنرالات للفضائيات يحرضون السلطة الانقلابية على سفك دماء المصريين وبعضهم يطالب «كالبرادعي» بإنقاذ الشعب المصري وكأن المعتصمين والمتظاهرين وهم بالملايين ليسوا من الشعب المصري!! ولندخل إلى الدور الأمريكي الذي بدت فيه أمريكا في غاية الحرج ولكنه حرج لم يدم طويلاً فها هو وزير الخارجية الأمريكي يعقد مؤتمراً صحفيًا مع نظيره الإماراتي لم يكن موضوعه العلاقات بين الدولتين إنما كان الموضوع كليًا عن الأزمة السياسية في مصر!! وهذا لا يمكن تفسيره إلا بتفسير واحد هو أن مصر أصبحت تحت الوصاية الأمريكية!! ولكي يتبين هذا جيداً قام سيناتور جمهوري بإلقاء خطاب في الكنغرس يحذِّر فيه من مغبة قطع المعونات العسكرية لمصر في حين إن السيناتور الجمهوري جون ماكلين طالب بشدة بقطع المعونات العسكرية عن مصر!! وتغير الموقف الجمهوري وتحوله مائة وثمانين درجة كان بسبب خطاب من آيباك التي حددت المخاطر من جراء وقف المعونات العسكرية عن مصر!! قالت الآيباك بالحرف الواحد إن مصر دولة صديقة لإسرائيل وهي أهم وأكبر دولة في الشرق الأوسط وذات تأثير كبير في المنطقة وإن إضعافها يعني استيلاء المتطرفين الإسلاميين على الحكم وتصبح بهذا سيناء مقراً للإرهاب والهجمات على إسرائيل، وكان خطاب الآيباك يريد أن يقول لا تقطعوا المعونات عن الجيش المصري فهو الذي يدافع عن إسرائيل!! ومن هذا المنطق تخلت أمريكا عن موقفها التمثيلي المدافع عن الحريات والديمقراطية، وعندما شعرت أمريكا بأن الوضع ليس في صالح نظامها الانقلابي، أرادت تطمين قيادة الجيش المصري بأنها لن تقطع عنهم المعونات العسكرية، وأن قيادة الجيش المصري في أيدٍ أمينة «الآيباك» التي تقف معهم وتأمر الإدارة الأمريكية بمواصلة دعم القيادة العسكرية في مصر!! وفي هذا التطور للموقف الأمريكي سيجد القادة العسكريون أن المواجهة بينهم وبين المعتصمين لا محالة قائمة، وهو إشارة لوقف التردد في فض الاعتصامات، بعد أن ضمنت أمريكا لهم المساعدات، وهذا الضمان وثقته الآيباك بأن قطعت على الكنغرس أي وقف للمساعدات!! والموقف الأمريكي الجديد يتعارض مع موقف الاتحاد الأوربي الذي عمل النظام على حرمان وزيرة خارجيته آشتون من الإجابة على السؤال الموجه إليها وقام البرادعي بالرد رغم أنفها، وزاد على ذلك تزييف الترجمة لخطابها الأمر الذي أجبرها على الانسحاب من المؤتمر الصحفي بعد عشر دقائق من بدايته!! كل هذه الجهود أجهضتها أمريكا بضغط من الآيباك الأمر الذي سيشجع القادة الانقلابيين على مواجهة أكثر من نصف الشعب المصري بالرصاص وهم في اعتصام سلمي!! ولا أعتقد أن الاتحادين الأوربي والإفريقي سيقفان على الحياد تجاه ما يدور في مصر خاصة بعد الخطاب الذي ردت به على خطاب الخارجية الجنوب إفريقية، والانقلابيون لا يدركون مدى خطورة الاتحاد الإفريقي الذي يمكن أن يضغط بقوة على موضع الألم لمصر والخطورة الحقيقية عليها والتي تمثلها مياه النيل، ويمكنه دعم دول الحوض على تنفيذ مشروعات المياه كسد النهضة ومشروعات مبادرة مياه النيل وكل هذه المشروعات تقف خلفها إسرائيل التي يدافع قادة الجيش المصري عن أمنها كما رسمت لهم خارطة طريق كامب ديڤيد!! مصر أمام وضع حرج سوف ينجم عنه دولة فاشلة إلا إذا كان للعقلاء فيها ولجيشها الباسل رأي آخر، والدولة الفاشلة في مصر تمثل قمة أماني إسرائيل وأمريكا حتى يجدوا الذريعة لتفتيت المنطقة بأسرها!! يا مصر أن الناس قد جمعوا لك فلا تخشيهم، فأنت عرفت معنى الدولة منذ آلاف السنين، فأصمدي لما يحاك ضدك!!