في الوقت الذي تحدث فيه حالة من التناقضات والتقاطعات حول ما يجري في دارفور من اقتتال قبلي ومحاولات البعض الانحراف به إلى مزالق مختلفة خرجت مبادرة الشباب الصحفيين لوقف العنف القبلي في دارفور لتقول إن الإعلام عليه دور مشابه لدور منظمات المجتمع الأخرى بخلاف النظرة التقليدية للعلاقة بين الصحافة والدولة، والصحافة والسياسي لأن الإعلام إذا صدق بمقدوره فضح مواقف بعض السياسيين أو الشخصيات القبلية المدفوعة بحمية القبيلة أو تخبط الجاهل والتي من شأنها إحداث حريق وانحرافات مجتمعية حادة لا يمكن استعدالها بسهولة. مبادرة الصحفيين الشباب إذا سلمت من بعض الذين يحاولون الالتفاف عليها واتخاذها منبراً للهجوم على الحكومة هم مجموعة اعتمدت منهج خطف المبادرات واستغلالها سوف تفضي إلى خلاصات مفيدة، وأحسب أنها قد بدأت بصورة سلمية عندما بدأت تنسق مع المؤسسات المعنية لتكسب مواقف مؤيدة وحسناً فعلت برؤيتها التي ترى أنه لا غضاضة في اختصار المسافات بينها وبين الآخرين، لأنه لا قيمة لأي مبادرة إذا بدأت معزولة لأن هذه الأيام تعدَّدت المبادرات والواجهات لكن الذي يفوز من يرى أن الهدف واحد وهو وقف نزيف الدم ولا يأتمر بما يدور من صراع سواء كان مؤسسيًا أو شخصيًا للتكسب السياسي، كم من المبادرات نجحت وحققت أهدافًا سامية ونبيلة دون أن يُعرف لها صاحب أو مؤسس أو قائد ملهم اللهم مبادرة للسلم الاجتماعي. شكرًا للشباب الصحفيين الذين نظروا بعين المستقبل وأقدموا على فعل شيء في وقت يشهد فيه المجتمع السوداني حالة من الانقسامات والانجرافات التي خشي الكثيرون أنها ربما تورد مزالق لا يسلم أو يأمن شرها شخص.. بعيداً عن النمطية والخصومة المتوهَّمة ما بين الصحفيين ومؤسساتهم وحالة الجفوة المفتعلة بينهم وبينها، مد الصحفيون الشباب أعمدة المبادرة إلى المجلس القومي للصحافة والمطبوعات والاتحاد العام للصحفيين السودانيين لمؤسسات مهنية ونقابية وكسبوا احترامها وتقديرها ومساندتها للمبادرة بل تبنوها كمبادرة للإعلام دون تضييق أو شبه شكوك هكذا أخذوها والحكمة والموضوعية تتطلب ذلك حتى يُظهر الشباب الصحفيين وجهًا آخر أو أهدافًا ومقاصد مختلفة عن التي أعلنوها.. ليتهم جلسوا إلى الأجهزة الرسمية لأن الآليات التنفيذية معنية في المقام الأول بتفاصيل تنفيذ المبادرة على الأرض وسط هيبة الدولة وسلطة القانون، كما أن الأحزاب لديها دور كبير سلباً وإيجاباً مما يتطلب ضرورة محاورتها حول الموضوع، سيما أمانة دارفور بالمؤتمر الوطني التي يرأسها عبد الواحد يوسف إبراهيم وهو شاب كثيراً ما يتفاعل مع المبادرات والبرامج المجردة من الغرض والمرض، وقد شهدنا له أكثر من تفاعل مع قضايا وهموم مجتمعه، كما أن لجنة المبادرة عليها بالجلوس للأحزاب الأخرى وتمليكها التفاصيل والتشبيك بينها وببين المبادرات الأخرى مثل مبادرة زعيم الاتحاديين مولانا محمد عثمان الميرغني إن لم تكن بالونة سياسية ومحاولة منه لكسب الأضواء وسحبها عن أجهزة الحكومة. الظروف التي تمر بها البلاد تحتِّم على كل صاحب ضمير أن يقول كلمته بصدق وتجرد بعيداً عن حالات الفرز والتبرؤ التي يستخدمها البعض وما ينطوي من حديث يقوله البعض يحاول من خلاله تحميل الأخطاء التاريخية على طرف من الأطراف دون الأخرى، لأن المشكل السوداني عنوان لكل سوداني وهكذا الجميع مشاركون حكومة ومعارضة وعليهم جميعاً بضبط موجات الخلاف السياسي الذي كثيراً ما أوردنا المهازل والضعف والهوان، ما يجري في دارفور وما حدث في الماضي في أي بقعة في السودان من خراب غير مستثنى عن فعلته أحد ولذلك يجب إفساح المجال للمبادرات المجتمعية والمؤسسات وتنظيمها حتى لا تتقاطع، كما أنني برغم فرحي وزهوي بمبادرة شباب الصحفيين إلا أنَّ خوفي أكبر وأخشى عليها من أن تُخنق وتحاصَر إما بواسطة أصحابها أنفسهم أو عبر آخرين فشلوا في تقدديم شيء يرون في كل فعل ناجح نظرية مؤامرة وخصماً عليهم لذا يقفون ضدها ويضعون على طريقها المتاريس. المبادرات حول دارفور بحاجة إلى آلية تنسيقية قومية لتضع منهجية وإطارًا كليًا للرؤية الأخلاقية لنزع فتيل الأزمة وقطع الطريق أمام لصوص السياسة والنخب التي تسبَّبت في الكثير من واقع دارفور وأجزاء البلاد الأخرى. التحكم العقلاني في الموقف عبر الحوار هو الذي يُفضي إلى نهاية للاحتراب والصراع والتصادم القبلي الذي قضى على تاريخ هذه القبائل في التعايش. كما أن تقنين المبادرات وبنودها وفق مصالح المواطنين ومبادئ المجتمع المحلي هناك بعيداً عن تمييزات السياسة وتمايزاتها المقيتة التي وضعت الجميع أمام مجنزرات مسلمات الأزمة التي أسرفت في القتل وأهملت دور العقل أو العقلانية بالتوهمات المكتسبة والخلط ما بين العام والخاص وما بين القبيلة والدولة والقبيلة والحكومة. العقل قيمته أنه مناط التكليف وبه يتم استنباط الأحكام الشرعية لذلك يجب على الجميع إرجاع الخلاف إلى العقلانية والموضوعية والتقييد بالتأصيل الديني له. عندما أنظر لمثقفي ونخب دارفور وأشاهد تلك الدماء وحركة الهجرة والنزوح القسري للمواطنين بسبب الحروب ينتابني حزن عميق المثقف المتدبر والمتعقل لأن الذي يفكر برشد لا تعوزه الآلية التي يكسر بها رقبة الخلاف ووضع حدود لما يجري هناك لكن الجميع تمكَّنت منهم المخابرات الدولية التي نفذت إلى دارفور وغيَّبت العقل هناك وهي التي جعلت دارفور تعاني من أزمة لم يدرك كنهها وتفاصيل الخروج عن إطارها أحد لكن لا بد من درء الفتنة ووقف عبثها الذي يتقاطع مع كل القِيم الإنسانيَّة والدينيَّة والأخلاقيَّة.