وكأنها تشير إلى «شيء مشترك» بين الرجلين.. الكتابات الآن التي تنبش تاريخ سيسي تنبش تاريخ أشرف مروان. وبروفيسور «ييسيف» الإسرائيلي يصدر كتاباً بعنوان «الملاك..» والملاك هو أشرف مروان. وأشرف مروان الرجل الثاني في مصر أيام السادات وأيام مبارك هو الذي يكشف لإسرائيل «يوم وساعة» ضربة حرب أكتوبر. وهيكل يقص أنه حين يلقاه في لندن يسأله هذا عن «حقيقته» يعني هل هو جاسوس لإسرائيل. وإسرائيل تعترف الأسبوع الماضي أن أشرف الذي كان يحمل اسم «الملاك» في ملفات المخابرات الإسرائيلية ظل عميلاً لإسرائيل لثلاثين سنة.. «جاسوس لثلاثين سنة في مكتب الرئيس!!» وأشرف حين يسأله هيكل وهما جالسان في مقهى تحت شمس ربيعية في لندن يسكت هذا لحظات ثم يطلب من هيكل أن يلقاه هنا في العاشرة صباحاً ليقول له «كل شيء». ليس عن نفسه فقط.. بل عنه وعن آخرين. كان هذا عام 2007.. وفي العاشرة من صباح اليوم التالي كان ما يصل «هيكل» في المقهى هو أن أشرف مروان «انتحر بالقفز من الطابق السابع» وهيكل يكاد يعلن أن الرجل لم ينتحر.. وأن أذرعاً إسرائيلية تلقي به حتى لا يتحدث عن «آخرين» في مصر. والكتابات التي تسوق الحديث عن أشرف تسوق الحديث عن سيسي ومدهش أنه لما كان أشرف يلقى به من النافذة إلى الشارع العام ليموت كان الكتاب السنوي للجيش الأمريكي يصدر. وفي الكتاب الحديث عن سيسي وصور له يحتفل بعيد القديسين وابنته ترتدي ملابس كيلوباترا. وأن سيسي كان شديد الحرص على إقامة الصلاة.. مثلما كان أشرف مروان حريصاً. «2» وشيخ الأزهر الذي يظهر إلى يمين سيسي صباح الانقلاب لم يكن شيخًا يمشي في الطريق وينزلق فوق قشرة الانقلاب. شيخ الأزهر لابد أنه استقبل مناجاة طويلة.. شهوراً ربما وسنوات حتى يقبل الاشتراك في الانقلاب. الانقلاب كان شيئاً يعد ضد مبارك.. وانقلاب طنطاوي يصبح تجربة معملية و... ومثل شيخ الأزهر كانت النجوى الطويلة تعد كثيرين من داخل وخارج الجيش الأمر إذن كان استخبارياً دقيقاً طويلاً. وفوز الإسلاميين ومرسي يصبح هو «الجملة الحاسمة» لمن كانوا يرفضون الانقلاب. وأهداف الانقلاب عزلة مصر تنطلق. وعزل مصر عن السودان الإسلامي خطوة متقدمة. وأيام مرسي يشتعل الحديث عن «سد النهضة» الإثيوبي. والطبول تدوي ضد السودان وإثيوبيا. الصراخ لم يكن ما يدفعه هو «ذعر» مصر.. الصراخ كان له دافع آخر دافع يجعل السودان «العصا» التي تضرب بها مصر أعداءها.. والعصاة إن هي تحطمت يحقق التحطم هذا هدفاً آخر. ومصر من هناك تنصب الاتهام لمرسي ويحاكم لأنه «قدم مشروعاً للسودان يحول منطقة حلايب إلى سوق مشتركة». ومصر من هنا ترسل وزير خارجيتها ليحدث السودان ضد مشروع إثيوبيا.. وفهمي لا يستقبله أحد غير السودان. والسودان كالعادة يقبل الكف التي تصفعه. السودان الذي يستمع لمصر ينسى أن مصر لم تكن في تاريخها تحت قبضة السودان مثلما هي اليوم. مصر اليوم تحتاج إلى الخرطوم حتى يعيدها الاتحاد الإفريقي الذي يطرد مصر منذ الشهر الأسبق. ومصر تصبح وحيدة ضد دول حوض النيل كلها إن اتجه السودان شرقاً وليس شمالاً. والسودان هو المستفيد الثاني من سد النهضة الإثيوبي. وأسامة عبد الله حين يوقف المحادثات مع مصر بعد انقلاب سيسي تصرخ مصر من اللطمة. والسودان يستطيع الآن .. الآن فقط أن يرفع عيونه ويسأل مصر عن : لماذا يحصل السودان على «معشار» ما تحصل عليه مصر من مياه النيل لو كان السودان «يؤجر» أرضه فقط لعبور النيل هذا لحصل على أكثر بكثير مما يحصل عليه الآن. والسودان يستطيع والسودان يستطيع والسودان يفعل حين يقيِّض الله له وزير خارجية يشعر العالم بوجوده مثلها السودان يستطيع أن يتعامل مع العالم المالي بحجمه الحقيقي وثرواته الحقيقية حين يقيِّض الله له وزير مالية يقبله العالم. والسودان إن لم ينجح في التلاعب بالعالم اليوم والرياح تملأ أشرعته كلها.. فإنه لن ينجح في شيء بقية حياته. هذا إن بقيت له حياة. فالجهات التي تصنع سيسي ليس في نيتها الوقوف عند حلفا. وهي تستخدم عشرين أشرف مروان في الخرطوم.