هذه هي الحلقة الرابعة من هذه الحلقات التي أُعقّبُ فيها على ما نُشر بصحيفة «الحُرة» في حلقات ثلاث مع مساعد بشير السديرة الذي وصف نفسه بأنه أحد رموز ما يسمى بالسلفية الجهادية في السودان. التعقيب الرابع: تطاول «السديرة» على بعض أئمة الإسلام «الأولى»!! جاء في الحوار مع مساعد السديرة في حلقته الثالثة ما يلي: «وأنا هنا داير أقول حاجة إنو منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما فضفاض زي منهج ابن تيمية، وانا ما خايف من إنسان أصلاً، وأي جماعة من الجماعات الإسلامية واللا إسلامية بتجد بغيتها عند ابن تيمية، ولكن أي جماعة من الجماعات مهما... ما بتجد بغيتها عند محمد بن عبد الوهاب.. عندو واحد + واحد= اتنين. وهو معروف في منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب... والحركة التي أساس الإمام محمد بن عبد الوهاب ومعه النجديين ما كان عندهم أي تلاعب في المصطلحات كما هو موجود اليوم.. المصطلحات التي جاءت بعد شيخ بن باز رحمه الله وغيره.. وانا الرجل أترحم عليه وما عندي معاهو حاجة ربما الظروف جبرته على فعل وقول أشياء.. ولكن هناك تغير، ما كان موجوداً في فترة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وهذا حدث بعد دخول الأمريكان لمنطقة الخليج، وهذا نفسه موقف ناس سلمان العودة وسفر الذين سجنوا بسببه ثماني سنوات والآن يلهثون وراء الحكومات. ما رأيك في الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ؟ رجل صالح إن شاء الله.. - ترى أن التجاوزات حدثت في زمن الشيخ ابن باز؟ من شيخ ابن باز وانت جاي.. بعد دخول أمريكا إلى منطقة الخليج». وقال السديرة في نفس الحوار: «أيوه ابن تيمية منهجه فضفاض.. أنا والله في جوانب عقدية ما اتفق مع شيخ الإسلام فيها.. واتفق مع آخرين كالإمام أحمد وغيره في مسائل». وقال: «وابن تيمية هو من هو على جلاله إلا أن كل الجماعات الإسلامية وجدت بغيتها فيه.. والمكان هنا ليس مجاله». وقال: «أنا لا أكفر شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن لا أذهب مذهبه.. ألم يقل ابن تيمية بفناء النار وهو نفس ما قاله محيي الدين بن عربي شيخ ضلال المتصوفة.. ألم يُكفر ابن تيمية..؟؟».انتهى المقتبس المقصود في هذه الجزئية.. وقد تضمن كلامه في هذه الجزئية القدح في الإمام ابن تيمية والشيخ ابن باز رحمهما الله، وله قدح في غيرهما من أهل العلم ونسبة أمور لبعض العلماء ونفي أمور عن بعضهم ضمَّن ذلك حديثه المتكرر في هذا الحوار عن: «الحنابلة»!!! وقدح السديرة في ابن تيمية والرد الموجز عليه يكون في ما يلي: 1/ لقد ادعى السديرة أن منهج ابن تيمية منهج «فضفاض» كما ادعى أن الجماعات الإسلامية واللا إسلامية تأخذ منه!! وتجد بغيتها فيه!! وقارن بينه وبين الإمام محمد بن عبد الوهاب فقال: «ولكن أي جماعة من الجماعات مهما... ما بتجد بغيتها عند محمد بن عبد الوهاب.. عندو واحد +واحد= اتنين»..!! وهو كلام عجيب جداً، فهل ابن تيمية عنده أن واحد+ واحد =اثنين أم تساوي ثلاثة؟!!! كان على السديرة أن يبين المنهج الفضفاض الذي عليه ابن تيمية ونماذجه!! بدلاً من هذا الجرح المجمل.. ويبين كيف وجدت الجماعات الإسلامية واللا إسلامية بغيتها فيه!! وإذا كان يقصد أن بعض الطوائف فسرت كلاماً لابن تيمية بفهمها وأرادت فهمه بهواها فهل هذا يعني أن منهج ابن تيمية كما وصف السديرة؟! ولا يخفى على أصغر طلاب العلم فضلاً عن من يوصف بالمحدث أن نصوص الكتاب والسنة فهمها كثير من الطوائف والفرق بأفهامهم، واتجهوا بها لخدمة عقائدهم بل لتبرير شركهم وبدعهم، فكيف عندما فسروها بأهوائهم وخرجوا بها عن الاستدلال الصحيح وضربوا النصوص بعضها ببعض؟ فكيف بكلام العلماء؟!!! فأهل الباطل يستدلون على بعض باطلهم بنصوص من القرآن والسنة في أحوال كثيرة لكن بفهم خاطئ غير صحيح؛ ولذلك ردَّ الصحابة على الخوارج وناظروهم كابن عباس رضي الله عنهم، الذي ناظرهم فرجع منهم الآلاف بعد بيان معاني النصوص بالبيان الصحيح بالفهم السليم والفقه المستقيم واكتشاف كثيرين منهم أنهم على فهم معكوس وفقه منكوس، وأحياناً يردد أهل الباطل نصوصاً لا يفهمون معناها؛ لذلك كان في وصف النبي عليه الصلاة والسلام للخوارج قوله: «قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ...» رواه البخاري ومسلم، ولذلك قيّد فهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح من صحابة النبي رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم وهم أصحاب القرون الثلاثة المفضلة وهو ما دلت عليه النصوص الشرعية.. فهل تفسير بعض الطوائف المنحرفة لنصوص الكتاب والسنة يقدح في النصوص الشرعية؟! ومعلوم أن هذا من أبطل الباطل، فكيف بكلام عالم من العلماء؟!! وبه يتبين الباطل العظيم الذي افترى به السديرة على عالم جليل من علماء الإسلام، فما ضرّ شيخ الإسلام ابن تيمية استدلال طائفة بكلام له وتفسيره بأهوائهم.. والإشكال الأكبر هنا أن السديرة قال: «وأي جماعة من الجماعات الإسلامية واللا إسلامية بتجد بغيتها عند ابن تيمية..» فجاء بصياغة فيها تعميم عجيب يتناول الجماعات والفرق والطوائف!!! والسديرة في مرحلته وفترته التي قضاها مع أنصار السنة كان يستدل بالقرآن والسنة على منهج جماعة أنصار السنة، ولما انتقل وصار مع جماعة «العزلة» كان يستدل وفق عقيدتهم ومنهجهم، ولما أصبح رأساً وزعيماً في التصوف يناظر له ويدعو مستميتاً للقبورية والوثنية ويتتبع أهل التوحيد ودعاة التوحيد ليشوش عليهم كان كذلك يستدل بنصوص من الكتاب والسنة وفق فهم المتصوفة في مسائل العلم اللدني والمكاشفات.. والآن يدعو للخروج على الحكام والجهاد بفهم آخر تبين بعض معالمه من خلال عرض استدلالاته التي سبق ذكرها في الحلقات الماضية، ومن أمثلة عجائب استدلالاته في الدعوة للخروج ونبذ طاعة الحاكم قوله: «هم ما خرجوا على بعضهم.. وبعدين لما سألوا البشير في الجزيرة قالوا ليهو: أنت ما خرجت على نظام قائم؟ ألم يخرج على النظام الذي قبله.. أحلال عليه حرام على الآخرين» وقوله في نفي الاعتراف بالحاكم الموجود: «أنا ما أعترف بيهو.. أعترف بيهو كيف دا.. انا بايعتو؟؟» وقوله رداً على سؤال: «..* أليست للنظام القائم ولاية؟» فأجاب بقوله: «بالنسبة لي أنا ماعندو ولاية.. ماعندو ولاية علي.. وما دعوني عشان أبايع». هذه هي منهجية السديرة في الاستدلال، في هذه المرحلة!! مرحلة الوصف بالمُحَدِّث!! وهذا المثال في تنوع المنهجية بالأخذ من النصوص بأفهام متعددة يقرِّب ما أردت توضيحه من أن التفسير الخاطئ للنص الشرعي أو لكلام العالم لا يُعاب به النص، ولا العالم وإنما هو عيب في المستدل بهواه.. فهل إذا أخذت جهة من الجهات كلاماً لابن تيمية وفسرته بهواها يضره ذلك..؟! أو يكون مسوغاً للطعن في منهجه؟! فأين هو الكلام الذي قاله ابن تيمية وأصبح مستنداً ودليلاً أفادت منه الطرق والطوائف الإسلامية..؟! فضلاً عن الطوائف غير الإسلامية؟!! إن ابن تيمية قد ردّ على النصارى في كتابه الذي حقق في مجلدات ضخمة: الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، وأصبح كتابه مرجعاً لعلماء المسلمين.. وكتب في ذلك أيضاً كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم.. ونقض المنطق اليوناني وردَّ على الفلاسفة.. وكشف باطلهم ولوازم باطلهم، ونقض استدلالات الملاحدة والدهريين، والمجوس والوثنيين، وكتب كتابه الذي حُقّق في مجلدات ضخمة: منهاج السنة النبوية الذي نقض به دين الشيعة الرافضة وفرقة القدرية، وكذا ردّ على النواصب الذين ناصبوا علياً رضي الله عنه العداء كما بيّن شبهات الخوارج ونقضها ودحض شبهات جماعات التكفير ودكّ حصونهم بالحجج العلمية مستنداً إلى نصوص الكتاب والسنة ومهتدياً بفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، ووضّح رحمه الله ضلال المرجئة بأنواعها... ونقضَ تأسيس الجهمية في كتابه القيم بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، وفي ثنايا كتبه تلك.. وبيّن باطل المعتزلة العقلانيين وأعداء السنة فألّف كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول الذي وصفه تلميذه ابن القيم في نونيته: وكذا كتابه العقل والنقل الذي ما في الوجود له شبيه ثان، ونقض أصول الأشاعرة وردّ عليهم وعلى المعتزلة في كتابه الرسالة التدمرية في الأصلين العظيمين: القول في الذات كالقول في الصفات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.. وهذه هي أصول الفرق، وبين ضلال ابن عربي شيخ الصوفية صاحب وحدة الوجود والحلاج شيخ الحلولية وابن الفارض وغيرهم، ووضّح التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ونصر الله به السنة.. والعلم الصافي الذي هو تراث هذا الإمام كتبت فيه مئات الرسائل الجامعية وتنافس الباحثون في الظفر في البحث في علومه، فأين يجد أهل الباطل بغيتهم في كلام ابن تيمية أيها المتعالم مساعد السديرة؟!! وأما الجماعات المعاصرة المتحزبة فلن تجد في كتب ابن تيمية إلا الحث على الاجتماع على الكتاب والسنة وعقد الولاء والبراء على الإسلام والإيمان والإحسان وعلى العقيدة الصحيحة، وستجد نبذ الفرقة وذم التحزب والعصبية للأشخاص والجماعات والزعماء والرؤساء، ولن تجد إلا الحث على تحري منهج السلف الصالح في كل الأمور فمنهج السلف هو الأسلم والأعلم والأحكم. وأواصل تتمة هذا التعقيب في الحلقة القادمة «الخامسة»..