المحكمة الجنائية الدولية التي لم تحترم مسألة عدم عضوية السودان بها، ها هي تحترم الدستور الكيني، فالرئيس الكيني أوهور كنياتا ونائبه وليام روتو وجهت إليهما من قبل المحكمة الجنائية تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وباختصار وصل الآن نائب الرئيس الكيني إلى لاهاي للمثول أمام المحكمة الجنائية. وقالت هذه المحكمة إن الرئيس ستكون محاكمته في نوفمبر المقبل وليس في وقت واحد مع نائبه بعد أن جاء التحذير من كنياتا من أن الدستور الكيني لا يسمح بمغادرة رئيس البلاد ونائبه البلاد في وقت واحد. لكن إذا كان نائب الرئيس قد وصل إلى لاهاي لتوه وبعد مضي أكثر من أسبوع من أيام الشهر الجاري، وأن الرئيس سوف يلحق به في نوفمبر القادم، فإن السؤال هنا هو هل ستستغرق محاكمة «روتو» فترة هي أقل من شهرين؟! إن المحاكمة في جرائم ضد الإنسانية اتهم بارتكابها ثلاثة إضافة إلى الرئيس الكيني ونائبه صحفي إذاعي يدعى جوشوا سانج. ووجهت لنائب الرئيس والصحفي تهماً بتدبير جرائم قتل وتهجير قسري لأشخاص خلال أعمال عنف أعقبت الانتخابات في عامي «2007م و2008م»، وهما ينفيانها، وكان قد قتل في أعمال العنف تلك ألف شخص، فكيف يُعقل أن تكون فترة محاكمة المتهمين في تلك الجرائم أقل من شهرين، وبعدها يغادر الرئيس ليمثل أمام نفس المحكمة في نوفمبر القادم؟! إن حجم ارتكاب الجرائم لا يسمح بأن تفرغ المحكمة من البت في القضية في هذه الفترة الوجيزة. وهذا يؤشر على أن المحكمة الجنائية بعد الهزائم الدبلوماسية والسياسية والقانونية التي تعرضت لها بعد إصدار مذكرة التوقيف ضد الرئيس السوداني البشير تريد أن تقوم بما تراه مجمّلاً لسمعتها، واختارت دولة إفريقية تراها مناسبة في التناغم بينها وبين القوى الأجنبية المشرفة على مشروعات التآمر والممولة لها ضد العالم الإسلامي. فالمتوقع طبعاً هو براءة نائب الرئيس الكيني ومعه الصحفي الإذاعي بعد محاكمة مختصرة جداً لا تتجاوز شهر نوفمبر لإفساح قاعة المحكمة للرئيس كنياتا. ثم ماذا بعد؟!. ثم الطرق من جديد على مذكرة التوقيف التي صدرت ضد الرئيس البشير وبعض مساعديه وأحد المواطنين السودانيين. وبسابقة محاكمة الرئيس الكيني ونائبه والصحفي الإذاعي الكيني ستحاول المحكمة الجنائية تقوية موقفها لطلب المساعدة الدولية. لكن ستبقى الحجة لدى حكومة الخرطوم أقوى، فالسودان ليس عضواً مثل كينيا بالمحكمة الجنائية. المحكمة الجنائية إذا كانت تنوي إدانة الرئيس الكيني ونائبه يمكن أن تفعل من خلال شراء شهود زور لاختراق العدالة، يمكن أن يكون الشهود من الملحدين واللادينيين مثل الشيوعيين، فهم يؤدون قسماً لا يؤمنون بمصدره أصلاً أو كفروا به لاحقاً، وهذه هي الخطورة التي تتعرض لها العدالة. فالشيوعي الملحد واللاديني في أي بلد يمكن أن يسترزق ويتكسّب من شهادة الزور إذا كان الأداء القضائي ضعيفاً في تفنيدها في حال يُنكر المتهم التهمة الموجه إليه. أما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية نفسها وبمنهج تآمري لصالح قوى أجنبية ومشروعات تآمرية تسعى لشهود الزور، فهي لا تسعى لهم ضد الرئيس الكيني أو نائبه، فكينيا تدور في فلك القوى الدولية، ولا ينطبق عليها من تصنيف ما ينطبق على السودان. وتوقيف مسؤوليها من قبل المحكمة الدولية ومحاكمتهم في فترة وجيزة أشرنا لها آنفاً كأنه تشكيل لأرضية قانونية زائفة يراد بها التحرُّك في القارة الإفريقية لاصطياد بعض رؤسائها ومسؤوليها الكبار. وما يكذب كل هذا الاستنتاج هو إدانة الرئيس الكيني ونائبه وإيداعهم السجن بعد وقوع تلك الجرائم التي أعقبت العملية الانتخابية وسقط فيها مئات القتلى وهُجِّر المئات قسرياً. ونكتفي بهذا القدر فمسلسل ألاعيب الجنائية طويل.