أن يتداعى نفر من قبيلة ما للجلوس والتفاكر فيما يخدم أمرهم ويسهم في دفع قضاياهم ويساندوا ضعيفهم ويكفلوا يتيمهم وغيرها من الجوانب الخدمية التي من شأنها تقوية أواصر القربى والمودة بينهم لهو أمر محمود لا يقدح أحد فيه ولعل نظارة عموم قبائل الهدندوة قد درجت على ذلك من خلال مؤتمرهم العام السنوي الذي عقده يوم أمس بمنطقة هداليا بمحلية شمال الدلتا وسط حضور جماهيري غفير من أبناء القبيلة. إلا أن هذا المؤتمر والذي وُقِّت له بعناية فائقة جاء في ظروف استثنائية عقب أحداث لم تكن تشهدها الولاية من قبل فمازالت تداعيات الخلاف الذي وقع ما بين الهدندوة والهوسا لم تهدأ بعد كما أن البلاد تستشرف مرحلة استحقاقات انتخابية الأمر الذي يجعل الجميع يتساءل ماذا يريد الهدندوة؟ وهل لهذا المؤتمر أبعاد تتعدى هموم وقضايا القبيلة التي لها امتداد في ولايات الشرق الثلاث «كسلا البحر الأحمر القضارف» والتي تحظى بقاعدة جماهيرية تكاد تمثل أغلب سكان شرق السودان؟ وإذا ما نظرنا إلى التمثيل التشريفي الذي حضر المؤتمر يؤكد أن الدعوات لهذه الشخصيات التي حضرت لها دلالاتها ومغازيها فقد شرف المؤتمر وفد رفيع يتقدمه الدكتور غازي صلاح الدين القيادي البارز في المؤتمر الموطني والمعروف بآرائه الإصلاحية داخل الحزب ومساعد رئيس الجمهورية الأستاذ موسى محمد أحمد والدكتور مبروك مبارك سليم وزير الدولة بوزارة الثروة الحيوانية بجانب تشريف حكومة ولاية كسلا وعلى رأسهم الأستاذ محمد يوسف آدم والي الولاية وعدد من أعضاء حكومته والتي صدمت بهتاف الحاضرين لوالي ولاية البحر الاحمر بهتافات أعلت من شأنه. لا شك أن الإدارة الأهلية ظلت ذراعًا من أذرع الحكم في البلاد ولها مكانتها وسلطاتها وإسهامتها المقدرة في كل القضايا الوطنية وقد أكد ذلك مساعد رئيس الجمهورية لدى مخاطبته فعاليات المؤتمر وقال إن الإدارة الأهلية هي السلطة الأقرب للمواطن ويتوافق عليها جميع الأفراد ووصفها بالسلطة الحقيقية. كما ثمَّن الدكتور غازي صلاح الدين دور قبائل الشرق وصمودها في وجه الاعتداءات على البلاد، وقال إن الإسلام قد دخل عبر بوابة الشرق وكان مدخلاً لباقي دول إفريقيا... وأشار سيد محمد محمد أحمد محمد الأمين ترك ناظر عموم قبائل الهدندوة إلى أن المؤتمر الذي درجت النظارة على إقامته جاء في ظل ظروف مغايرة وتحولات كبرى تشهدها البلاد وتتطلب وحدة الصف والتكاتف، واستعرض توصيات المؤتمر المتمثلة في المطالبة بزيادة المساحات الزراعية لأبناء الهدندوة من مساحة مشروع سيتيت الزراعي، وقد عرض الناظر وثيقة تاريخية تؤكد أحقية أبناء قبيلته في أراضي القاش بواقع «75%» من جملة المساحة الكلية، كما نادت توصيات المؤتمر بضرورة إعادة النظر في تقسيم وتنظيم مياه خور سوميت وإعادتها إلى النظام القديم وأن يعامل في ذلك شأنه شأن أي مشروع زراعي كما طالبت التوصيات بتخطيط الأراضي شرق نهر عطبرة وتوزيعها كمشروعات بستانية للهدندوة إضافة إلى تخصيص جزء من عائدات التعدين بالولاية لصالح الخدمات لمناطق قبائل الهدندوة بجانب المطالبة بشق ترعة من نهر عطبرة لأراضي الهدندوة وأخرى من النيل لولاية البحر الأحمر كما طالبت التوصيات بمد خط مياه من مياه سدي أعالي سيتيت ونهر عطبرة لولاية القضارف كما برزت في التوصيات المطالبة بعدم السماح بتكوين إدارة أهلية جديدة على غرار نظارة الهدندوة لأي مكون قبلي آخر. وقد وصف المتحدثون هذه المطالب بالمشروعة والمنطقية وبأنها تعبِّر عن وعي إنسان الشرق وتطلعاته لحياة أفضل حيث أكد والي كسلا لدى مخاطبته المؤتمر أن توصيات المؤتمر تتماشى مع خطط وبرامج حكومة الولاية التنموية. ولعل هنالك من المراقبين من يرى غير ذلك وينظر إلى المؤتمر نظرة اتهامية يقودها سياسيون لتحقيق مكاسب آنية من خلال إبراز حجم وثقل ونفوذ الهدندوة بالمنطقة وقد تم توقيت ذلك لتثبيت مواقف قبل الدخول في الصراع الانتخابي المقبل وإن كان هذا صوتًا يمثل تيارًا خفيًا لا يُسمع صوته إلا أن هنالك من يهمس سرًا في الشارع الكسلاوي ويتساءل في قلق مبرر عن ماذا يريد الهدندوة من كل ذلك؟ ويبقى ذلك سؤالاً مشروعًا كمشروعية توصيات المؤتمر.