لم يكن الاعتماد على المنتجات البترولية وحده هو من جعل الاقتصاد السوداني يترنح ويتسبب بذلك في إرهاق كاهل المواطن وتخرج بذلك وزارة المالية في كل عام مهددة برفع الدعم عن المحروقات بينما كانت هنالك أسباب جوهرية ومنطقية جعلت من ذهاب عائدات النفط مع انفصال الجنوب عقبة كبرى أمام تعافي الاقتصاد السوداني ألا وهو إهمال القطاع الزراعي بشقيه المروي والمطري، وبما أن الولاية الشمالية تُعتبر من الولايات التي ينُظر إليها بأنها يمكن أن تمد الاقتصاد السوداني بما يمكنه من مواجهة غول الأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد السوداني باعتبارها «ثلة غذاء السودان» لما تتمتع به من موارد مختلفة. ففي العام السابق كان ارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية كفيل بأن يحجم الكثير من أصحاب المشروعات الزراعية عن الدخول في الموسم الشتوي وبالأخص زراعة القمح رغم المغريات وإعلان سعر التركيز لجوال القمح ب«250» جنيهًا عبر البنوك الحكومية، غير أن عددًا من أصحاب المشروعات الزراعية تحدثوا وقتها ل«الإنتباهة» معللين إحجامهم عن زراعة محصول القمح بعدة أسباب حيث أوضح المزارع العيد عمر صاحب مشروع زراعي أن وعودات الجهات الحكومة دائمًا ما تذهب أدراج الرياح كما حدث في أحد الأعوام بأن حددت سعر التركيز «بمائة» جنيه للجوال وتسابق أصحاب المشروعات الزراعية في زراعة أكبر المساحات غير أنهم تفاجأوا بعد الإنتاج أن البنك الزراعي رفض شراء القمح بالسعر المطروح واكتفى فقط بمن مولهم عبر القروض، ويشير إلى أن زراعة محصول القمح من غير سماد ستتسبب في حصاد الهشيم موضحًا أنه من غير المعقول أن يوازي سعر جوال القمح جوال السماد مضيفًا أن الزيادة لم تقتصر على السماد وحده مشيرًا إلى أن أرض الولاية الشمالية لم تكن بها حشائش تتطلب استخدام المبيدات غير أن الأرض امتلأت بأنواع عديدة من الحشائش المضرة بالقمح بعد استخدام المزارعين للتقاوي الحكومية التي اكتشف المزارعون فيما بعد أنهم دائمًا ما يكونون ضحايا لسياسات حكومية خاطئة فالجهات التي يتم عبرها تمويل المشروعات عبر القروض لا تتنازل عن حقوقها مهما كانت خسائر المزارعين فادحة فهي تطالب بحقها رغم الخسائر الكبيرة وهذا من شأنه أن يؤثر على مسيرة المشروع الذي لن تكون له ميزانية كافية لتسيير دفة الزراعة بمشروعه لذلك لجأ العديد من المزارعين إلى استئجار الأرض لمنتجي الطماطم صيفًا وشتاء وبذلك تفقد الولاية الشمالية أراضي زراعية واسعة كانت كفيلة بدعم خزينة الدولة عبر إنتاج محصول القمح وفق السياسات التي تم وضعها، ويشير عدد من المراقبين إلى أن الحكومة رغم أنها التزمت بسعر التركيز الذي أعلنته لشراء القمح في نهاية الموسم الشتوي الماضي إلا أنها لم تجد الكمية التي قدرتها وخططت لشرائها بسبب ارتكابها لخطأ المقولة الشعبية ذائعة الصيت «هجم النمر»؟ وهي فقدان الثقة بينها وبين أصحاب المشروعات الزراعية الذين يرون أن الترويج للسياسات لا يتراوح استوديوهات الأخبار ومكاتب المسؤولين، ويشير هؤلاء إلى ما حدث في العام «2011م» عندما تولى اتحاد المزارعين بالولاية الترويج لبرامج كهربة المشروعات الزراعية وخاطب المزارعين عبر جولات ماكوكية لخمس محليات كانت وصلتها خدمة الكهرباء وقام بحث المزارعين على دفع مبلغ «مائة» جنيه فقط مع تحمل تكلفة العداد وقدرها «ألف جنيه» وذلك لإكمال كهربة المشروعات الصغيرة والتي قُدِّرت ب«21» ألف مشروع صغير وكان الوسيط في عملية تسلم الدفع من قبل المزارعين هو البنك الزراعي فتدافع المزارعون من كل حدب وصوب تجاه البنوك الزراعية كلٌّ في محليته ليتفاجأ أصحاب المشروعات الزراعية ومع اقتراب دخول الموسم الشتوي وبعد انتظار دام ثلاثة أشهر بتنصل اتحاد المزارعين من وعوداته واكتفى بمخاطبة المزارعين بقوله «اسحبوا أموالكم فليس لدينا كهربة مشروعات صغيرة ولا تقربون» أو هكذا كان رده متعللاً ومتعلقًا بقشة ارتفاع الأسعار وارتفاع تكلفة التوصيل. ويشير عددٌ من الخبراء في المجال الزراعي بالشمالية أن الموسم الشتوي الحالي محاط بالعديد من التحديات خاصة أن برنامج كهربة المشروعات الزراعية لم يبارح مكانه فالعديد من المشروعات الزراعية لم تصلها خدمة الكهرباء في ظل ارتفاع تكلفة الجازولين فيما استبشر عددٌ من أصاب المشروعات الزراعية بمحلية القولد بوصول شركة «حمدي إخوان» المتخصصة في كهربة المشروعات الزراعية والتي من المتوقع أن تبدأ عملها خلال الأيام القادمة ويشير مسؤول الشركة محمد فضل الله في حديثه ل«الإنتباهة» أن الشركة هي لخدمة شريحة المزارعين وهي شركة غير ربحية وتقوم بعمل الدراسات للمشروعات الزراعية المستهدفة لإيصال خدمة الكهرباء إليها موضحًا أن تكلفة التوصيل ستكون أقل بكثير من الشركات الحكومية والشركات الأخرى ويشير وزير الزراعة بالشمالية المهندس عادل جعفر أن وزارته على استعداد تام لإنجاح الموسم الشتوي هذا العام جاء ذلك بعد ترؤسه لاجتماع هام ضم كل مديري الإدارات بالوزارة ومديري الزراعة بالمحليات ومديري المشروعات الزراعية الكبيرة بالشمالية، وأعلن وزير الزراعة عن استهداف «300» فدان لزراعة محصولات العروة الشتوية منها حوالى «124» ألف فدان لزراعة محصول القمح مشيرًا إلى أن الشمالية ستستفيد هذا العام من تمويل المركز ل «25» ألف فدان قمح بكل محليات الولاية يتم الإعداد والترتيب لها عبر مكاتب الزراعة بالمحليات، وناشد وزير الزراعة جميع المزارعين الاستفادة من برامج التمويل الأصغر عبر بنك السودان مؤكدًا التزام الوزارة ببداية الموسم الشتوي في المواعيد المحددة لذلك.