الأزمة الاقتصادية العالمية التي مازالت رياحها تعصف وتدمر الاقتصاد العالمي لها تأثير على كل بلدان العالم بلا استثناء حتى أمريكا أكبر قوة اقتصاديَّة عالميَّة فظهر أنَّ هذه الأزمة ستظل جروحها قائمة لسنوات عدة فأكثر الدول تأثراً بهذه الأزمة هي الدول الفقيرة التي من بينها السودان فغير صحيح أن السودان لم يتأثر بهذه الأزمة فالسودان باقتصاده الهش تأثر كثيراً بهذه الأزمة ومما زاد الطين بلة أن السودان تعرض لصدمة كبيرة في اقتصاده من جراء الانفصال إذ أن 70% من انتاج النفط الذي كان يمثل «85 إلى 90%» من اجمالي الصادرات، ويمثل 55% من ايرادات الحكومة الاتحادية فبرغم البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي الذي طرحته الحكومة لسد فجوة الإيرادات فإن البرنامج لم يُخرج الحكومة من نفق الأزمة فالبرنامج واجهته عوائق جمة أولها أن حكومة الجنوب لم تلتزم بسداد رسوم عبور البترول مما نتج عن ذلك شح كبير في إيرادات النقد الأجنبي وإيقاف انتاج البترول كان القشة التي قصمت ظهر الاقتصاد السوداني والاعتداء على حقل هجليج كان العلة التي أقعدت به صحيح أن الحكومة «أخطأت» في إهمالها للزراعة واعتمادها على النفط المورد «الناضب» لكن تلك المشكلات كانت عقابيل وعقبات أدت إلى ركود اقتصادي واختلال في «الميزان» التجاري فالعمليات الجراحية القاسية على جسد الاقتصاد كان لا بد منها وإلا فستنهار «الدولة» بكاملها صحيح أن البنية الاقتصادية للدولة متماسكة حتى الآن «لكن ما دام أن الجسد مصاب بعلل فإن العلل بلا شك ستزداد كما السرطان وتقضي على الجسد فالاقتصاد السوداني الذي يواجَه بصرف عالٍ لمواجهة الأمن والحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق هي الدابة التي تأكل في منسأته فالتمرد الذي يجد الدعم المادي واللوجستي من حكومة الجنوب استنزف موارد مقدرة من الدولة وكما قالوا «هي في البير ووقع فيها فيل فهذه الأزمة كان لا بد للحكومة من وضع برنامج إصلاحي مهما كان هذا الإصلاح قاسياً فالحديث عن قرار رفع الدعم يبقى حديثاً يوجب النظر إلى الأشياء بواقعية فقرار رفع الدعم ليس جديداً وسياسة التحرير الاقتصادي معلوم أنها سياسية تطلق يد السوق الحر ولا تعرف الدعم فسد الفجوة في الميزان التجاري يعني اللجوء إلى رفع الدعم ولكن في ذات الوقت لا بد من البدائل فالدولة التي تشتري البرميل بحوالى «100» دولار لن تستطيع دعمه ب«50» دولارًا فإن دعمته اليوم لن تدعمه غداً وكما قالوا «جوك جوك ولا قتلوك» فرفع الدعم عن البنزين له ضغوط على بعض الشرائح لكنه له إيجابيات إذ إن هذا البنزين المدعوم بسبب ضعف الأجهزة الرقابية يتم تهريبه إلى دول الجوار مثل إثيوبيا تشاد إريتريا وحتى دولة الجنوب فجالون البنزين في «الرنك» يُباع بحوالى «30» جنيه سوداني. أما الجازولين فإن أى زيادة في سعره تؤثر على الإنتاج الذي هو في حالة ركود تتطلب تحريكه وأعتقد أننا يمكننا أن نواجه سلعة السكر بمزيد من مشروعات السكر فالسودان يملك كل مقومات صناعة وإنتاج السكر ومخجل جداً أن يستورد السودان السكر وزيوت الطعام فأي برنامج إصلاحي لا يضع الارتفاع بإنتاجية الحبوب الزيتية وزراعة قصب السكر يعتبر في نظري برنامجًا «أعرج» وأظل بقناعتي أن إعادة «الكسرة» إلى المائدة السودانية هي المدخل إلى الخروج من نفق الأزمة فالذرة بأنواعها كانت هي الغذاء الرئيسي لهذا الشعب فلم يكن للقمح مساحة تُذكر في المائدة السودانية ولكن تسلل القمح إلى مائدتنا عبر «آخرين» فأزاح «الكسرة» وتربع على المائدة لتصبح بلادنا دولة تستورد القمح بفاتورة تفوق «400» مليون دولار على ما أظن وتدعمه الدولة ليصبح القمح«أرخص» من «الذرة» فلا اعتقد أن هناك شعباً في العالم «يُجنب» محصوله الغذائي الرئيسي ويستبدله بمحصول غذائي مستورد فالصين واليابان وإندونيسيا وغيرها يزرعون «الأرز» غذاءهم الرئيسي ولا يستوردون قمحاً فأرى أن ترفع الدولة الدعم عن «القمح» اليوم وما كان يقدم كدعم للقمح يذهب إلى زراعة الذرة فبهذا نكون قد حرّكنا نشاطنا الزراعي وتخلصنا من قيمة فاتورته وأخيراً مطلوب من الدولة أن تنظر إلى الزراعة ولا تعتمد على النفط فإنه مورد ناضب وقالوا الأعوج راي والعديل راي.