{ ترى هل كانت تصريحات رياك مشار الغريبة جداً كما يبدو عليها حول الاستفتاء العشوائي في أبيي مؤخراً على طريقة منهج الحملات الانتخابية في الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتباره قد عقد العزم على منافسة الرئيس سلفا كير في الانتخابات القادمة؟!. كانت تصريحات رياك مشار التي تناسبت مع طرده من موقعه الرفيع في جوبا وكأنها ما يطلبه فقط أصحاب الاستفتاء العشوائي. ولو كان حتى الآن في موقعه الرفيع الذي يلي منصب نائب رئيس دولة جنوب السودان لوضعه أهل الاستفتاء أحادي الجانب في دائرة المتعاطفين مع حكومة الخرطوم وبالتالي مع أبناء منطقة أبيي من دينكا نقوك الرافضين للاستفتاء بهذه الصورة غير الشرعية. وإذا كان أهم ما في الحملات الانتخابية الأمريكية هناك هو التلميح بحماية أمن إسرائيل، فإن مشار يبدو من خلال تصريحاته أنه يُلمِّح لأبناء قبيلة الدينكا بكل فروعها في «الجنوب والشمال» بأنه حريص على إحدى مناطقهم أكثر من ابن عمومتهم الرئيس سلفا كير. ويمكن أن نجد من يستخلص من هذا الخبث السياسي الإسهام إلى حد ما في نقل شعب الجنوب من القبلية إلى الوطنية، لكن لا ينبغي أن يكون هذا بظلم الآخرين وعلى حساب حقوقهم التاريخية والجغرافية والقانونية. لكن ماذا قال مشار حول الاستفتاء العشوائي وهو مطرود من السلطة في جوبا؟! قال إن المسيرية مجرد ضيوف في أبيي.. وأن الذين صوتوا في الاستفتاء أحادي الجانب ناخبون مؤهلون.. وأن الذين عارضوا الاستفتاء ليس لديهم بديل لقبيلة دينكا نقوك.. وحتى اتفاق نيفاشا لم يذكر قبيلة المسيرية بالاسم في التصويت.. وأن على حكومة جوبا الاعتراف بنتيجة الاستفتاء أحادي الجانب. هذا ما قاله، لكن نقول كل ما قاله مردود عليه بالمنطق والموضوعية وبدون تشنج سياسي كما حدث منه وهو يطلق تصريحاته التي لا تعدو أن تكون حلقة جديدة في سلسلة رد الفعل بعد أن استغنى عنه سلفا كير واستبدله بآخر من قبائل الإقليم الاستوائي الذي تقع فيه عاصمة البلاد هناك مدينة جوبا. إن مشار ينتمي إلى ثاني أكبر قبيلة في الجنوب هي «النوير» ولو كان متعمقاً في معرفة تاريخ قبيلته عبر عشرات السنين فقط بعد أن هبط أجداده من الهضبة الإثيوبية ليشكلوا امتداداً للقبيلة من هناك حيث «القالا» أهل الرئيس الأسبق منقستو هايلومريام إلى هنا لعلم كيف وصل أجداد دينكا نقوك من جزيرة الزراف في أعالي النيل وغيرها إلى منطقة المسيرية والنوبة والداجو التي هي أبيي حالياً. لكنه درس الهندسة، وأصحاب الدراسات التطبيقية الممتازة مثل الطب والهندسة يقل إهتمامهم بالاطلاع على الآداب في أغلبهم. والحقيقة التاريخية هي أن قبيلة رياك مشار هي السبب في أن ينزح دينكا نقوك من الجنوب إلى الشمال إلى المنطقة الواقعة شمال حدود عام 1956م بسبب الحروب القبلية التي لم يكن يحتملها وقتذاك أجداد دينكا نقوك في أبيي، فقد كان نفس النوير أطول في الحروب مع الدينكا، ثم كانت أبيي منزحاً للأجداد وساكنوا المسيرية، إذن هم ضيوف المسيرية. فما بال الحفدة أمثال دينق ألور يريدون أن تتحوَّل أرض النزوح إلى مقاطعة تابعة للوطن الجديد؟! هل يريدون أن ينزحوا منها ثانية في الحرب القبلية المستقبلية إلى المجلد أو لقاوة أو غبيش لتعاد في المستقبل البعيد نفس الأسطوانة؟!. إن الإستوائيين لم يطردوا القبائل النيلية باعتبارهم امتداداً لقبائل موجودة في إثيوبيا، وكذلك لم يفعل المسيرية مع دينكا نقوك باعتبارهم امتدادًا لقبيلة موجودة في عمق الجنوب، لكن وعد دانفورث الذي تطوّر إلى بروتوكول أبيي كما تطوّر وعد بلفور إلى قرارات أممية لصالح اليهود هو الذي جعل أبيي أشبه بالحالة الفلسطينية. لا دانفورث ولا مشار ولا من وقّعوا على بروتوكول أبيي اعتمدوا على التاريخ والجغرافيا ولوائح الأممالمتحدة بشأن المستعمرات الأوروبية، وكان نتيجة ذلك أن يصف مشار المسيرية بالضيوف في أبيي. نواصل بإذن الله.