برزت جماعة الإصلاحيين كقوة مؤثرة في الساحة السياسية ولافتة عريضة استطاعت أن تنال حظًا وافرًا من المتابعة والتعاطف عقب التداعيات الأخيرة التي جاءت متلازمة لحيثيات القرار الخطير الذي اتخذه الوطني بفصل ثلاثة من أعمدتهم وكانوا أيضاً من أعمدة الحزب «الوطني» رغم أنهم كانوا يواجهون الكثير جداً من عقبات الإقصاء والإبعاد من دوائر القرار في الحزب بسبب آرائهم المخالفة لإستراتجية وقرار جهات إصدار القرار فيه. وبحسب المتابعات فقد تم فصل كل من د. غازي صلاح الدين ود. فضل الله محمد عبد الله وحسن رزق، الذين يمثلون أعمدة الجماعة، إثر تداعيات المذكرة الشهيرة والمثيرة للجدل التي رُفعت لرئيس الحزب المشير البشير طالبته فيه بعدة بنود رأت أنها «ضروريات» يجب تنفيذها، فيما رأى الحزب أنها خروج مباشر من أدبيات الحزب وأجندته التي يجب أن تتبع وأنها ملزمة لكل عضو في الحزب مهما كانت مكانته أو وظيفته، بيد أن الجماعة «الإصلاحيون» قالوا إن أبواب الشورى بالحزب معطلة تماماً وإن القرارات ظل يتنفذ فيها مسؤولون وهم أعضاء في الوطني إلا أن صفاتهم وتوافقهم على مجموعة نقاط موحدة أقصت تلك الجماعة من دائرة الحدث حتى. وربما يلاحظ هنا أن حظوظ الجماعة أصبحت متزايدة وكبيرة في قلب الطاولة أو على الأقل إيجاد مساحة محترمة وسط الفعاليات الحزبية التي تملأ سماء الخرطوم، عقب التفاف الكثير من قيادات الإسلاميين وخاصة الشبابية منهم وأصبح الأمر مثيرًا حينما ألمح بعض الناقمين في الوطني على السياسات المتبعة من أنهم ربما يمتطون سفينة الإصلاح مع الجماعة المقالة ويظهر ذلك في التفاف «السائحون» بحسب الأخبار المتواترة حول التيار الإصلاحي، وأصبحوا أحد أضلاع القوة الضاربة التي يرتكز عليها التيار. هذا بدوره أدى إلى بروز اتجاه قوي بأن الحزب الوليد سيخطف الطابة من أمام القوى السياسية المرتكزة في أقصى اليسار وتضم أحزاب الشعبي وقوى التحالف من الشيوعي برئاسة أبو عيسى وآخرين كالبعث والاتحادي المعارض وغيرها من أحزاب اليسار والحركات المجاهرة للوطني بأقسى العداءات. وجاء في الأخبار أن حزب المؤتمر الشعبي أحد أحزاب التحالف المعارض قد رحب بخطوة تيار الإصلاح في تكوين حزب جديد باسم الاصلاح والنهضة، بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني ومجموعته معتبراً ذلك إضافة لقافلة الإصلاح والحريات والتحول الديمقراطي التي انطلقت لمناهضة الاستبداد، حسب قوله، وقدم دعوة لتيار الإصلاح دعاه فيها للانضمام إلى تحالف الإجماع الوطني «المعارض» لإكمال برنامج الإصلاح الذي بدأوه و لمناهضة ما أسماه بالاستبداد والجبروت. وقال إن أطروحاتهم تدعو للتنسيق مع مكونات الساحة السياسية بالداخل والخارج من أجل تكوين جبهة وتحالف عريض يقود إلى برنامج يحقق التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وقال الشعبي بأن الإصلاح المنشود لن يكتمل إلا في مناخ الحريات والتحول الديمقراطي متبعًا ذلك بقوله إن الوطني فشل في سياساته وبرنامجه ومنهجه إضافة إلى أنه مختزل في أشخاص والبقية «كومبارس». وكان حزب المؤتمر الشعبي من أوائل الأحزاب المنشقة عن المؤتمر الوطني فيما لحق به العديد من الأحزاب والجماعات من داخل صفوف الحزب الحاكم، ولما كان الشعبي بزعامة د. الترابي قد قطع سابقاً وظل يشدِّد على ذلك بأنه أوصد الباب تماماً أمام الرجعة للوحدة مع الوطني فإن تيار الإصلاح والنهضة الجديد بزعامة د. غازي صلاح الدين قد قال بأنه أحرق المراكب التي يمكن أن يراهن عليها الوطني في العودة لصفوفه مرة أخرى الشيء الذي يراه المراقبون إحدى بوادر الاتفاق التي يمكن أن تحقق التئام الحزبين في إطار التحالف المعارض. غير أن عدة عوامل جعلت البعض يتشكك في ذلك، منها أن الجماعة الإصلاحية أو حزب الإصلاح والنهضة الوليد إسلامي التوجه وفي ذلك قد جاهر بعصيانه لأوامر «الوطني» رفقاء الأمس وهو حزب إسلامي، حينما رأى هؤلاء أن الحزب لا يمثل تطلعاتهم ولا يقوم بتمكين الشرع وأبجدياته. ويشير هذا إلى استحالة انضمامهم لتحالف يضم مجموعة يسارية متمكنة في قرارها ومتنفذة في تطلعاتها المعادية للتوجهات الإسلامية مما يجعلهم في مرمى المجموعات التي لا تتفق مع الإصلاح والنهضة، ربما، وهذا بدوره يمثل هاجساً أمام قبول كل منهم بالآخر. الشيء الآخر هو أن قائد الحزب الجديد يُشار إليه بأنه أحد مهندسي المذكرة الشهيرة ومن داعميها التي أطاحت بالترابي من زعامة المؤتمر الوطني، ولكن البعض يشير إلى أن الظرف أصبح سيان بين الطرفين وأن الشعبي بادر بالترحيب بالدكتور غازي وحزبه الجديد ورأى أنه أكبر داعم للتحالف حينما قدم إليه الدعوة للانضمام إليهم بحكم تأثيرهم القوي على الساحة السياسية والتنظيمية بيد أنه لم يصدر منهم ما يشير إلى إمكانية تلافي الانشقاق الأول، غير أننا نرى أن الرجل ورغم أنه من الذين دفعوا الترابي للخروج عن الوطني، إلا أن المسافة بينه وبين شيخه القديم ما زالت قصيرة ويمكن تجسيرها بفعل الأشواق التي ظل يتبادلها الرجلان، وأنه كانت هناك مكاتبات بينهما غير معلنة، ولعل هذا ما جعل الشعبي أول المؤيدين للجماعة الإصلاحية حينما أعلنوا حزبهم الجديد. ولكن ثمة هواجس وأسئلة حائرة ربما تبدو منطقية في الراهن السياسي فالحزب الإصلاحي أصبح واقعيًا، وبالتالي استطاعت المعارضة أن تكبر كومها بانسلاخ ثلة من المهمين في الوطني وانضمامهم لها، غير أن الحال الذي تعيشه المعارضة من وجود حلفين وليس بينهما أي اتفاق قد يجعل من الصعوبة بمكان تحديد وجهة الإصلاحيين الجدد. بيد أن الشعبي قد يلعب دوراً كبيراً ومهماً إذا ما استطاع أن يقرِّب الشقة بين مجموعة د. غازي وجماعة أبو عيسى في التحالف الذي لا تبدو أن صلة عاطفة قد تجمع بين الشقين في الوقت الذي احتدمت فيه هوة الخلاف بين هؤلاء وإخوانهم بالأمس في الوطني لاختلاف في السبل وليس التوجه. بينما يرى متابعون أن جماعة الشعبي بحكم التقارب الكبير بينهم وبين جماعة غازي يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في تجسير الهوة بين يساريي التحالف المعارض وجماعة الإصلاح والنهضة وبالتالي بإمكانهم أن يلعبوا دوراً مهماً في انضمام هؤلاء لركب التحالف المعارض بما فيه من تجمعات يسارية وإسلامية طالما الهدف هو إسقاط النظام. فهل يستطيع الشعبي أن يقوم بهذا الدور وهو الذي قد انقلب عليه في وقت سابق وقائد هؤلاء أحد مدبري ذلك الانقلاب أم أن ما جرى من مياه السياسات، غيَّر الكثير من المفاهيم وصقل الكثيرين بفعل الرياح العاتية التي فتحت أبوابًا كثيرة نحو التحالف السياسي والتكتل ببرغماتية لم تترك للعاطفة سبيلاً وبالتالي يمكننا أن نرى د. غازي وجماعته حسن رزق وفضل الله والسائحون أعضاء أصيلين في التجمع المعارض بمعية أبو عيسى والترابي وآخرين.