ظلت الرياضة على مر الحقب في حالة شد وجذب مع السلطات، لجهة محاولة الأخيرة بسط أياديها سواء أكان ذلك بطريقة ناعمة أو خشنة كما فعل النميري عندما حل فريقي الهلال والمريخ في إطار ما أسماه بالرياضة الجماهيرية. وقد تلبس تلك التدخلات ثوب القوانين التي تنظم الرياضة وكرة القدم تحديداً مما يسمح لها بسط يدها في ذلك النشاط الإهلي، فالحكومات تدرك أن للرياضة تأثيرها الثقافي والسياسي، ولهذا فهي لا تريد أن تكون في موقف المتفرج أو المتابع، بل هي جزء من ذلك الحراك وتفاعلاته حتى يصب إيجاباً على كسبها السياسي، لكن جلَّ الرياضيين يرون أن الرياضة نشاط أهلي وينبغي لأهله هم الذين يحددون مساراته، وأن القواعد الجماهيرية بتفاعلها مع عطاء إدارات الأندية الرياضية رضاءً أو سخطاً وهم الذين يمتلكون الغربال وفق ديمقراطية العمل الرياضي المتمثلة في الانتخابات الحرة المباشرة من قبل القواعد، علاوة على ذلك فإن الأندية الرياضية مهما كان مردود إدارتها غير مرضي لكنه لا يمكن أن يتقاطع مع مرجعيات وثوابت المجتمع باعتبار أنها تعبر عن قواعد جماهيرية عريضة ومحروسة بآلية إعلامية واسعة. وإذا كانت الحكومات عبر الحقب المختلفة بل حتى في العديد من البلدان العربية والإفريقية تعمد إلى بسط يدها على القطاع الرياضي، فإن لكرة القدم جهة دولية معترفاً بها عالمياً هي الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» مناط به النظر في قضاياها المختلفة وفق قانون موحد يرفض التدخلات السياسية في النشاط الرياضي من قبل الحكومات ويصدر عقوبات على الدول التي تخالف هذا المنحى. وفي السودان أصبحت الرياضة أحد المناشط المهمة في الحياة الاجتماعية لإنسان السودان، وله إسقاطات مهمة على الصعيد الإجتماعي والثقافي والسياسي بعد أن عجزت السياسة في أن تقوم بذلك الدور وبالرغم من ذلك فقد حدثت مشادات كثيرة بين السلطة والرياضة بفعل القرارات من الجهاز التنفيذي الرسمي المعني بالرياضة والشباب كواجهة للجهاز السياسي للدولة. وإبان عهد الوزير الاتحادي السابق إبراهيم نايل إيدام أشارت بعض التقارير الصحفية إلى الخلاف الذي احتدم بين السيد الوزير والسيد رئيس الاتحاد كمال شداد حين ما اعتبره مساساً بديمقراطية الرياضة وأهليتها. حزب الكورة ويقول اللواء إبراهيم نايل إيدام ل «الإنتباهة» حول التقاطعات التي تحصل باستمرار بين الكورة والسياسة أن الزمن اختلف، وأن السياسة دخلت في الرياضة، مضيفاً بقوله إن الرياضة إذا ما دخلتها السياسة «بتخربها» وإن السياسة إذا ما دخلتها الرياضة أيضاً بتخربها. وفي إشارة الصحيفة إلى الخلاف الذي دار بينه وبين شداد، قال إن ذلك القول مغلوط وإنه لم يمارس ضغوطات على رئيس الاتحاد وقتها ولم يتدخل إطلاقاً في عمل الاتحاد، مضيفاً بأنه لم يكن هناك صراع بينه وشداد ولكن الأخير بحسب إيدام دخل في صراعات مختلفة مع كل المسؤولين ومنهم علي شمو. وقال إيدام بأنه لم يعمل ما يسيء لوزارته وإنه أول ما بدأ به هو عقد المؤتمرات الثلاثة بكل من بورتسودان ونيالا والخرطوم التي خرجت بتوصيات إذا ما طبقت فإن ذلك كان ليكون شيئاً صعباً على الرياضيين رغم أن تلك التوصيات خرجت من الرياضيين أنفسهم. العزل الرياضي ويضيف إيدام قائلاً: لا أذهب بعيداً حتى لا يصفني الناس بغير المنطقي ولكني أؤكد لك إني جعلت الوزارة محايدة ولم تتدخل إطلاقاً في قرارات الاتحاد وحتي أكون أكثر دقة في عملها كونت لجنة من شخصيات محايدة وأهليين لمناقشة المسودة التي أجيزت من قبل رئاسة الوزراء ومجلس الثورة، وأصبح قانون «90-91» من أفضل القوانين التي سيرت أمور الرياضة وشؤونها لأنه استمر لفترة «13» سنة لم يذهب فيها أحد إلى المحاكم. وقال إنه قد التقى المرحوم جلال علي لطفي وزير العدل الأسبق الذي أصدر منشوراً قضائياً لكل المحاكم في السودان ألا تنظر في قضايا الرياضة، وهذا هو الذي أدى إلى غضب الدكتور كمال شداد. أما اليوم والحديث لإيدام بأن «الوطني» ظل يتدخل في الرياضة بصفة الدولة وهذا سيدخلنا في مشكلات مع الفيفا، مطالباً الحكومة برفع يدها عن الرياضة وأن تبعد تماماً عن التدخلات في مساراتها وقضاياها المختلفة حتى لا نعزل عالمياً من المشاركات الدولية بواسطة الفيفا عندما يثبت لها تدخل السلطة في الشؤون الرياضية. شداد والوزير يوسف ويتطرق الأستاذ ميرغني أبو شنب لقضية صراع شهيرة إبان تولي يوسف عبد الفتاح وزيراً للرياضة مع الدكتور كمال شداد، وكان قد منع الوزير شداد بعدم الجمع بين وظيفتين. وقال: ذهبت للمرحوم الزبير، وقال لي شداد زول فاهم ولكن مشكلته كلها مع الوزراء، والحلبي دا يقصد يوسف عبدالفتاح بتاع مشاكل وهو«وزيرنا وأنا ما بلوي يده» ولكن قول لشداد يمشي المحكمة. وفعلاً ذهب شداد للمحكمة لكنها أخذت بعض الوقت وجرت تغييرات كثيرة وتم حل شداد. حقيقة السياسة يجب ألا تتدخل في الرياضة لأن هناك قانوناً دولياً يمنع ذلك، فالفيفا تقوم بمنح الدول خطوطا عريضة وتترك لها بناء القانون الرياضي بشرط أن لا يتعارض مع أبجديات القانون الدولي للرياضة، ولكن عندنا هنا كثيراً ما تحصل التدخلات من قبل الإدارات والوزارات الحكومية في الشأن الرياضي العام بإقالة مجلس إدارة أو تعيين مجلس بالتكليف كما حدث الآن للهلال، وكنت أعتقد في حالة الهلال أن يستمر البرير لحين عقد الجمعية العمومية بعد ستة أشهر، ومن بعد إقالته أو أن تأتي به. وبكل صراحة وجود شقيق الرئيس في إدارة الهلال قرار غير موفق، وقد يعرض شخص الرئيس للحرج لأن الهلال نادٍ له جماهير شرسة لا تقبل الهزيمة، وأيضاً الأمين البرير تمرس على العمل الرياضي فلم لا يترك إضافة أن لديه ديوناً كثيرة على الهلال والفريق مقبل على فترة تسجيلات وقد تبقت لها أربعة أيام فمن الأفضل أن يستمر البرير. والحقيقة الثانية أن العمل الرياضي عمل ديمقراطي لا يمكن أن تتدخل فيه السلطة، ويجب أن يكون هذا هو ديدن الدولة فتعيين مجلس أو تعيين رئيس جديد من قبل الدولة كثيراً ما يقابل بالفشل لأن النتائج السلبية لا يوجد من يتحملها وقتها. فأنا مع الديمقراطية ولا يمكن أن تتدخل الدولة إطلاقاً وفي تاريخ الهلال الطويل كل المجالس المعينة فشلت وفرض الشخصيات ليس فيه حكمة ولا بعد نظر، وإذا ما ثبت تورط والي الخرطوم في تعيين أخ الرئيس أو الوزير فكلاهما يكونا قد أخطآ. ولدينا من الأحداث أن جماهير الهلال هجمت على عربة الطيب عبد الله وحطموا عربته لأن الهلال هزم، وجمال الوالي أيضاً بكل ما قدمه للمريخ يتعرض أحياناً لإهانة الجماهير فيجب أن تترك إدارة الهلال لإبنائه. القانون الجديد والفيفا ويضيف الأستاذ أبو شنب قائلاً : القانون الجديد راجعه كمال شداد في مجلس الوزراء وقال إنه يتعارض في مواد كثيرة مع قانون الفيفا، ونبه لذلك بل طالب رئيس الجمهورية بعدم إجازته والفيفا قانونه واضح المعالم فهو يعطيك الأساسيات لبناء قانونك ولابد أن يتوافق مع القانون الدولي. فالقانون الجديد إذا ما أعطى الوزير الحق بحل الاتحادات فإن ذلك سيحدث خللاً وستتدخل الفيفا وهذا قد حدث في تونس. وتساءل ميرغني أن الرياضيين ناقشوا قضايا الرياضة كلها في السودان من خلال ثلاثة مؤتمرات ولم تنفذ حتى الآن لماذا لا ندري؟ يا حكومة أبعدي الأستاذ عبد المنعم شجرابي تحدث عن تقاطع الرياضة والقوانين السياسية، فقال إنه إذا التزمت الدولة وكل المهمومين بقضايا الرياضة بقوانين الفيفا لن تكون هناك مشكلة إطلاقاً، لأن قوانين الفيفا واضحة جداً فهي تنص على عدم تدخل المسائل الرياضية وقوانينها لا الوزير المعني ولا غيره طالما هناك مجلس منتخب ولجان منتخبة بواسطة الجمعية العمومية وغيره من الوسائل الديمقراطية المتبعة في الحركة الرياضية. ولكن للأسف لدينا بنوداً كثيرة في الحكومة تعطي الوزير حق التدخل في قرارات مجالس الأندية وخلافها. الشمولية والرياضة والمتابع للممحاكات الدائرة بين الرياضيين والسلطة فإننا نستطيع أن نقول بأنه خلال العهود الديمقراطية لم تتدخل الحكومة في الشأن الرياضي ربما لأن الحراك الإعلامي والسياسي الحر يشكل لها رقيباً ورأيا ضاغطاً. أخيراً هل نجح الرياضيون في وضع سياج قوي وآمن يحمي الحركة الرياضية من التغولات السياسية؟ ربما تكون حتى الآن قد حققت بعض النجاح، بيد أن التطورات الأخيرة في أزمة رئيس نادي الهلال حول حل مجلس الإدارة وتكوين لجنة تسيير أوضح أن ديقراطية الحركة الرياضية تحتاج إلى عمل كبير لا بد أن يتم وفق تفاهمات إيجابية بين السلطة وذلك الكيان الأهلي العريض حتى يتم تجاوز المطبات والصراعات التي قد تهدد مستقبل الرياضة في بلادنا.