أثارت قضية الأدوية في الفترة الماضية جدلاً واسعًا في المجتمع وتناقلته الصحف ما بين ارتفاع أسعاره وتوفيره ووجود نقص في بعض الأصناف إلى جانب حدوث مغالطات حول تعهدات بنك السودان بتوفير النقد الأجنبي لمستوردي الأدوية الذين يؤكدون فشل البنك في توفيرها بالصورة المطلوبة، إلا أن خبراء في القطاع الصيدلاني أجمعوا على أن حل مشكلة الدواء تكمن في التزام الدولة بتوفير النقد الأجنبي وتثبيت سعر الدولار لفترة طويلة حتى يتسنى استيراد الأدوية وبيعها دون خسائر أو تراكم للمديونيات الأمر الذي يسهم في استقرار سعر البيع للمواطنين وطباعته على العبوة في دولة المنشأ قبل استيراده إلا أن آخرين يرون أن توفير جزء من النقد الأجنبي بواسطة بنك السودان والمبالغ الأخرى من السوق الموازي يُعتبر فتح باب من المفسدة إما توفير المبالغ كاملة من جانب البنك أو ترك المستوردين يعتمدون على أنفسهم باستيراد الأدوية من مواردهم الذاتية (السوق الموازي). إلا أن مدير الإمدادات الطبية الأسبق د. بابكر عبد السلام قال إن المخرج الوحيد لحل قضايا الأدوية بالبلاد هو تشجيع الصناعة المحلية وتطويرها بتوفير العملة الأجنبية بصورة مستمرة لاستيراد المواد الخام ومواد التغليف وتدريب الكوادر إلى جانب التوسع في تسجيل أصناف جديدة للأدوية، كذلك دعم المعمل القومي وتأسيسه بالمعدات والكوادر وتدريبها والاستعانة بمعامل أخرى لتسريع إجراءات تحليل العينات، ومن ثم التسجيل مشيرًا إلى تشجيع الدولة لهذه الصناعة من خلال الإعفاءات الضريبية التي أصدرتها مؤخرًا وأكد ضرورة تحديد أحد البنوك لتوفير النقد الأجنبي لصالح استيراد الأدوية، وإذا لم تستطع الدولة توفيرها فيمكن الشراء من السوق الموازي، ويجب إبراز المستندات التي تثبت ذلك لدى مجلس الأدوية عند تسعير الأدوية بحيث لا تحدث فجوة دوائية. ولكن غرفة مستوردي الأدوية عبَّرت عن معاناتها ومشكلاتها على لسان ناطقها الرسمي د. ياسر حامد الذي بدأ حديثه قائلاً إن «31» شركة أدوية أجنبية عالمية أوقفت التعامل مع السودان لحين سداد مبالغ الاعتمادات المؤجلة والبالغة «90» مليون دولار، وحذر من تبعات ذلك مما يفاقم من خطورة النقص الكبير في الدواء، وأكد ياسر أن كل الأصناف ضرورية ووصف قرار تحليل قائمة بالأصناف الأساسية بغير المنطقي، وجدد المطالبة بتخصيص جزء من عائدات الذهب لصالح استيراد الأدوية بدلاً من «10%» من العائدات غير البترولية خاصة أنها تكفي من «30 40%» فقط من الاحتياجات، وقال ياسر إن البنك المركزي فشل في توفير ما يكفي لاستيراد الأدوية رغم تخصيصه نسبة ال«10%» من الصادرات غير البترولية التي لا تتجاوز ال «100» مليون دولار مقابل الاحتياج الفعلي البالغ «300» مليون دولار، وكشف عن وجود أدوية بالمطار حال عدم توافر النقد من البنك دون تخليصها لأكثر من أسبوعين، وانتقد قرار تحديد أولويات للأدوية باعتبار أن الدواء سلعة لا يمكن القطع بالمهم من أصنافها ونوه بأن الدواء غير المتوفر والمطلوب يكون أعلى سعراً، وأقر بأن البنك شرع في ضخ النقد لكنه لا يغطي الحاجة الفعلية أو الفواتير مما يهدد استقرار القطاع الصيدلاني. ولكن بنك السودان المركزي ظل طيلة الفترة الماضية يعلن التزامه بسد العجز الناتج عن «10%» من عائدات الصادرات غير البترولية لصالح استيراد الأدوية من موارد أخرى، وسداد كل الاعتمادات منذ بدء عمل آلية توفير النقد الأجنبي لاستيراد الأدوية. وأكد الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم د. محمد الحسن إمام التزام البنك المركزي بتوفير النقد الأجنبي لكل فواتير الأدوية التي حان سدادها، وطمأن مستوردي الأدوية بحل كل الإشكالات المتعلقة بتوفير النقد الأجنبي. وقال عقب اجتماعه مع مدير الإدارة العامة للأسواق المالية ببنك السودان، إن الاجتماع ناقش الإشكالات التي واجهت توفير النقد الأجنبي إلى جانب مراجعة عمل الآلية منذ تكوينها في مارس الماضي، مشيراً إلى خروج الاجتماع بمعالجات جذرية تسهم في توفير النقد الأجنبي لصالح استيراد الأدوية، مما يسهم بدوره في استقرار وفرة الإمداد الدوائي بالبلاد. وأكد مدير الإدارة العامة للأسواق المالية «حازم عبد القادر» إشراف ومتابعة إدارته لسداد كل اعتمادات الأدوية الحالية والمستقبلية لصالح استيراد الأدوية، وعندما استفسرنا الأمين العام لجمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني عن مسألة توفير النقد الأجنبي لصالح استيراد الدواء اتهم مستوردي الأدوية بالتلاعب بأموال الدولة، وطالب بنك السودان المركزي بكشف حساب يتضمن شركات الأدوية التي تم تمويلها لاستيراد الأدوية بأرقام تفصيلية، وقال: ما ذنب المستهلك ليتحمل مديونيات المستوردين. أخيراً تبقى أزمة الدواء لم تبارح مكانها وسط اتهامات متبادلة لتحميل المسؤولية بين أطراف القضية لكن تبدو قضية توفير النقد هي العامل المشترك للأزمة حتى إشعار آخر.