جدل «التشكيل الوزاري».. انتهى الجدل وأسدلت الحكومة الستار على معركتها الداخلية مع التشكيل الوزاري التي شغلت الناس كثيراً.. هو تغيير غير مسبوق في الشخوص وتخطى كذلك النمط القديم، فقد طالت عملية الجرح والتبديل مؤسسة الرئاسي في أكبر مفاجأة لم تكن محسوبة لدى المراهنين على عدم حدوث أي مفاجآت فخرج طه والحاج آدم ونافع من «كابينة القيادة» ولكن لا يدري المراقبين.. هل هي «استراحة محارب» أم هي إحدى حلقات سيناريو جديد يتقاسم فيه «إسلاميو» المؤتمر الوطني الأدوار والمراحل؟.. ورغم أن الرئاسة تحدثت في وقت سابق عن تغييرات شاملة للحكومة مركزياً وولائياً، ولكن يبدو أن الحكومة تعني بالشمولية هذه الشخوص فقط دون غيرها، لأن التشكيل المعلن لم يتحدث عن تغييرات أو تبديلات في البرامج والسياسات أو المفاهيم أو الخطط والإستراتيجيات وبذلك سقطت فكرة إعادة هيكلة الدولة وساطة «أهل اليسار».. ألجمتني الدهشة وأنا أقراء خبراً مثير للدهشة والتأمل نشرته الزميلة «اليوم التالي» أمس الأول وفحوى الخبر أن قيادات معارضة وتحديداً «يسارية» تنشط بين الرجل والقصر الرئاسي لإعادة طه أو إثنائه عن قرار الاستقالة عن موقعه كرجل ثانٍ في الحكومة والدهشة لا تكمن في أن تكون هناك محاولة لرفض الاستقالة وإنما في الجهة التي تمارس هذه القضية خصوصاً إذا كانت هذه الجهة على طرفي نقيض مع صاحب الاستقالة فما الذي جرى لليسار؟ حتى يتولى مسؤولية الدعوة لاستمرار الإسلاميين في القصر.. وهل فعلاً تخلى أهل اليسار من مشروعهم الإقصائي الداعي لتفكيك دولة «الإسلام السياسي» في السودان أم أن علي عثمان كان «رفيقاً» داخل القصر هذه مجرد تساؤلات تطرح هكذا بكل براءة على الرفاق في قلعتهم الحمراء.. بالخرطوم (2). بدائل «الجزيرة».. التغيير الذي ينتظره أهل الجزيرة ليس في قصر الوالي فحسب وإنما يجب أن تمتد فكرة قيمة التغيير إلى المجلس التشريعي بالولاية والذي لا يهش ولا ينش ولكن قيادته هيئة أركانه فشلت في أن تفعل خيراً لأهل الجزيرة وعبره جنت الولاية فقرها وعجزها التنموي وبنت دولة الفساد أوكارها.. ولم يشهد لمجلس الولاية أن اتخذ مواقف أو قرارات تناصر قضايا المواطنين، ولكن دائماً ما يكون هذا المجلس في ضفة القصر والمواطنين هناك زهدوا من أي دور موجب للمجلس فلجأوا للبحث عن بدائل وخيارات فانتعش «مسرح الجزيرة» بالمذكرات السياسية والمنابر المطلبية في محاولة للتعافي من أمراض البلهارسيا والفشل الكلوي في غرب الجزيرة، وتجد فيران المناقل وجنادب مدني من يردعها. فإذا كان مجلس ولاية الجزيرة عجز في أن يوصل صوت الغاضبين للوالي أو أن يقول كلمة حق في كل ما يعلن من مشكلات ومرهقات فكيف به أن يكون صوتاً أو إرادة تخاطب «الخرطوم» بما يريده أهل الجزيرة من حكامهم؟. دبلوماسية «الأربع سفارات».. تتجه الحكومة العام المقبل لافتتاح أربع سفارات إفريقية دفعة واحدة في كل من بوركينا فاسو وساحل العاج وأنجولا وموزمبيق.. والسؤال هو «هل يعني هذا الافتتاح عبقرية جديدة للدبلوماسية السودانية؟ أم هو تدارك أخير لمعالجة حالة عدم التوازن بين كفتي الانتماء المزدوج للسودان ما بين العروبة والإفريقية؟ والسودان منذ تاريخه القديم ظلت تتنازعه قضية الهوية فتبارت النخب السودانية عبر أدبياتها السياسية والدبلوماسية في رسم ملامح الهوية السودانية على المستويين الإفريقي والعربي. وربما يشكل هذا التدارك الأخير بضرورة الانفتاح الإفريقي إحدى أهم مطلوبات المرحلة أو التحول الكبير الذي تشهده الدولة السودانية الحديثة من خلال التواصل والتداخل بين السودان وعمقه الإفريقي وحتى لا يكون افتتاح هذه السفارات عملية شكلية أو دبلوماسية فقط لا بد أن تعيد الحكومة إنتاج إرادة سياسية قوية وراشدة ترضي استحقاقات الانتماء الإفريقي للسودان. «لاعبون» جدد بالولايات.. يبدو أن الحكومة وفقت بالشق الأول من تغييراتها الوزارية والمتمثلة في الحكومة المركزية وتراخت في ذات الوقت من إجراء أي تغييرات في أجهزة الحكومات الولائية ربما هذه الفكرة تحتاج إلى ترتيبات أو إجراءات استثنائية بحكم أن الولاة جاءت بهم شرعية الانتخاب ولكن ليس صعباً أو مستحيلاً أن يحدث هذا التغيير لولاة الولايات إن كانت هناك إرادة غالبة لدى الحكومة بضرورة إجراء تغييرات في عدد من ولاة الولايات الذين اتضح للمركز ضعف أدائهم أو فشلهم في تحقيق حكم رشيد يرضي أهل هذه الولايات وما زالت التقارير تتحدث عن قناعات أو اتجاهات قوية بالحكومة المركزية للدفع بطاقم جديد من الولاة في كل من كسلا وسنار والجزيرة والنيل الأبيض، غير أن الدكتور نافع علي نافع في مؤتمره الصحفي أمس أقر بأن فكرة تغيير الولاة لم تكن مطروحة لدى المكتب القيادي، ولكنه المح ألى إمكانية إقدام الرئاسة إلى ترتيبات أخرى بشأن تغيير الولاة. الانتخابات والأمن.. ما زالت الدولة السودانية تحلم بتجاوز أوضاعها وملفاتها الاستثنائية التي ما زالت بين «ابرية» والترية.. فحتى الانتخابات التي تراهن عليها النخبة السودانية في حسم جدل السلطة وإبعاد الشكوك والريبة هذه الانتخابات مهددة الآن بعدم «الإمكان» يبدو أن الملف الأمني سيكون أحد عوامل هدم الانتخابات لأن أي عمليات تخريب في هذا الملف من شأنه إشاعة التوترات وهواجس المراقبين دولياً ومحلياً وبالتالي فإن عملية إجراء الانتخابات في ظل الأجواء الأمنية المتوترة تعتبر شكلاً من أشكال المغامرة والاستحالة، وربما تجري العملية الانتخابية جزئياً حسب فهم وقدرة مفوضية الانتخابات، ولكن تبقى آخر العلل والموجعات التي تجهض الماراثون الانتخابي القادم هو أن تتوارى السياسية والحزبية وتتمنع من المشاركة في الانتخابات رغبة أو رهبة. رحيل النسر الإفريقي.. انطفات جزوة «مانديلا» وطوى النسر الإفريقي جناحيه وأغمض عينيه ونام في هدوء وترك خلفه أسمى قيم النضال في مسيرة البحث عن حرية وكرامة ليس لشعب جنوب إفريقيا، ولكن لعموم أهل القارة السمراء.. رحل مانديلا وإفريقيا مثقلة بموجعاتها ونزاعاتها تحاول الانعتاق من فقرها وأمراضها وجوعها والآخر يتربص ويرسم إستراتيجياته ويمد أياديه لتعبث بثروات ومقدرات الشعوب في إفريقيا الوسطى وأنجولا ومالي وليبيا وتشاد وحتى في السودان فكل قضية تحتاج إلى ألف مانديلا.