حوار: تيسير النور ندى محمد أحمد تمر الآن ذكرى عزيزة لكل فرد سوداني، استطاع شعب السودان أن ينتزع فيها استقلاله من براثن الاستعمار البريطاني المصري، ولا شك أن يوم الاستقلال وذكراه المجيدة بما فيها من عبر ودروس في التضحية والنضال تمثل الزاد الحقيقي لتزكية روح المقاومة والرفض لكل ما يتعارض وعزة النفس والإباء، ونحن إذ نتذكر تلك الأيام الخالدات إنما نقف مع النفس لأجل المراجعة والمحاسبة وماذا حققنا من أهداف الاستقلال.. في هذه السطور نترك الكلام مع أحد أبرز الإعلاميين الذين عاصروا نضال الشعب في معركة الاستقلال ووثق لها وشاهد رفع العلم، فنترك الحديث للبروفيسور علي شمو ليحدثنا عن ذلك اليوم المشهود: بداية بروفسير شمو.. أين كنت لحظة إعلان الاستقلال رسميًا في الأول من يناير 1956؟ كنت تحت في نفس المكان الذي تم فيه رفع علم الاستقلال من قبل أزهري والمحجوب، أنا كنت بجوارهم أراقب رفع العلم لكن ما ظاهر، وكان معنا المذيع القدير أبو عاقلة يوسف وهو المذيع الأساسي وأنا كنت نائبه، هو أذاع الحفل وأنا أذعت جزءًا منه، تلا ذلك تسليم العلم الإنجليزي والمصري، والعلمان تم لفهما في شكل بكرة أو كبسولة، ولو شفت أزهري وهو يسلم على الناس ويقدم العلم الإنجليزي لدوتس باركر وهو الوكيل البرلماني لحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا وكان إيقل رئيس الوزراء وسيفل لوي هو وزير الخارجية آنذاك، وكذلك العلم المصري تم لفه ووُضع في كبسولة وتسليمه. كيف كان إحساسك وقتها مهنيًا أو وطنيً؟ المهنية «دي» خليناها بعيد، أنا في تلك اللحظة أنظر للسيد عبد الرحمن المهدي وللسيد علي الميرغني في صدر الجلسة ومن خلفهم كبار الموظفين ومناديب بعض الدول التي لديها قنصليات في السودان آنذاك، لم تكن هناك سفارات بحضور رئيس القضاء وقاضي القضاة الذين تسودنوا حسن مدثر من جانب القضاة قبل ما يدمجوا القطاعات، وكان في موظفين لابسين لبس جميل وشكل «ناس زمان ما زي شكلنا الآن»، الناس كانوا «جميلين ولابسين لبس كويس ومحترم»، كان مظهرًا رهيبًا، هذه هي الرسمية، و كان أزهري كان العلم هنا فوق في سارية القصر ولو رأيت القصر من بعيد ترين أعلامًا فوق، كان علما الحكم الثنائي مرفوعين فوق والسودان كان تحت حكم ثنائي، وبالرغم من أن بريطانيا كانت مسيطرة لكن اسمًا كانت مصر مشاركة في الحكم لذا كانوا برفعوا العلمين. لم تصف لنا شعورك بعد. ما أنا قلت ليك شعوري ما شعور مهني، شعور مواطن، فالاستقلال اتقرر يعني لكن كونك تجي في يوم إعلانه وهو يسمى باليوم المعين وهو يوم واحد يناير إنه من يوم الأول من يناير السودان مستقل، كل ما سبق كان إجراءات، لكن الإعلان يوم واحد يناير وفيه مناسبتان الأول الجزء الرسمي هذا ثم جزء شعبي، وهو لقاء جماهيري بوزارة المالية، ميدان الوزارة كان اسمه ميدان كتشنر، كان مليان بالناس بعد أن انتهى أزهري والمحجوب جاءوا ليخاطبوا الناس هنا، وما كان في منصة لذا كده طلعوا في بلكونة قسم المالية بوازرة المالية «هسي لو مشيت بتشوفيها» ونحن وضعنا المايكروفونات واللاود إسبيكر هناك ومنها خاطبوا الشعب السوداني. هل تستعيد هذا الإحساس بمروره كل عام وهل تم التوثيق له توثيقًا جيدًا؟ وُثق له توثيقًا جيدًا بالإمكانات التي كانت موجودة، مثلاً ما كان في تلفزيون اتوثق بالسينما، واتوثق بالتصوير الفتوغرافي اسود وابيض، واتوثق بالصوت المسجل على اسطوانات، فالاذاعة ما كان فيها شرايط، لكن الحاجات دي اتنقلت للاذاعة واتسجلت اثناء الاذاعة واتوثق بالنشر في الصحافة، يعني «أي زول النهار ده» لو ذهب دار الوثائق وطالع الصحف الصادرة يوم 2 يناير يجد فيها كل ما تم في يوم «1» يناير. يعني إيه استقلال؟ الاستقلال هو أن تتحرر وتملك إرادتك والحر حر. إذن إلى أي درجة نحن أحرار ونملك إرادتنا؟ دي إجابة طويلة جدًا تتطلب المرور بمراحل كثيرة وبمستويات حكم وأنظمة مختلفة وتطورات سياسية مختلفة ولكن إجمالاً نحن نملك إرادتنا ولكن السؤال هل سخرنا هذه الإرادة لتطوير أنفسنا؟ إلى أي مدى نحن في الفترة الماضية حققنا تنمية وتطورًا وبنيات أساسية وترقية مستوى المعيشة والصحة والتعليم في الطرق وزيادة دخل الفرد والتنمية الزراعية وغيرها. إذن إلى أي حد نحن نجحنا في تحقيق المطلوبات التي ذكرتها؟ لا أعتقد أننا نجحنا أعتقد أن ما حققناه لا يتناسب معنا ولا مع تاريخنا. ابدًا. يعني في دول استقلت بعدنا نحن ثالث دولة تستقل في إفريقيا قدامنا إثيوبيا ووليبريا، كل إفريقيا ما كانت مستقلة، حتى مصر التي يقال كانت مستقلة رغم أنها كانت أحد طرفي الحكم الثنائي لم تكن مستقلة استقلالاً كاملاً بالرغم من أنها كانت «مستعمرانا» لكن كان في احتلال وجيوش لم تخرج إلا بعد استقلالنا بسنة. بعض الأمم اتجهت بتفكيرها لإعمار كواكب أخرى. بينما نحن لا نزال في العقد الثاني من القرن الواحد وعشرين نبحث عن السلام والمأكل والمشرب والمواصلات..... إلخ أليس هذا شيئًا يبعث على الحزن؟ محزن ومؤلم ما في شك. بعض من هذا الألم أننا امضينا نصف قرن من الزمان في الحرب بالجنوب وعقدًا آخر في دارفور، وطريقًا ثالثًا في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. ما الذي دهانا حتى يكون هذا حالنا؟ ده سؤال مفترض أي سوداني يسأله لنفسه، نحن السودانيين دائمًا عندنا عادة «كل زول يطلِّع نفسه ويرمي في الآخرين» تسأليني أنا وكأني أنا ما جزء من الذي مضى مع أني أنا جزء من الفات واشتغلت في الفات ومحسوب على الفات وكل الجماعة الموجودين في الساحة اليوم مسؤولين أمام الشعب عن هذا المآل، وما زلنا لم نتعظ أو نستفد، تعرفين لم أزهري أعلن الاستقلال من داخل البرلمان؟ حصل إجماع وهو كان يملك الأغلبية وكانت حكومته حكومة أغلبية، أي حكومة حزب واحد، لكن لما أعلن الاستقلال كل الناس اتفقت حتى الجنوبيين رغم أنهم من أحزاب مختلفة كحزب الأحرار الجنوبي وجنوبيين من حزب الوطني الاتحادي وجنوبيين من حزب الأمة، الوضع زمان كان أفضل، كان الفكر القومي عندنا هو الأعلى وهو السائد، ولما جاءت قضية الاستقلال تكتل الجنوبيون لأنهم عايزين حقهم في الجنوب إلى أن ضمن لهم الشماليون النص بالقرارات التي تسبق قرار الاستقلال بأن يكون لهم الحق في الحكم الفدرالي، وحصل إجماع بين الناس، كل الأحزاب اجتمعت على الاستقلال، وكان مشهد جلسة 19 ديسمبر مشهدًا عظيمًا جدًا لم يحدث في السودان تاني أبدًا، يعني الأمة اجتمعت فقط في ذلك اليوم ولم يتكرر حتى اليوم، نحن كل ما نسعى له ونرجوه هو موضوع الوحدة الوطنية، و«الناس كلهم يكونوا مع بعض وده اللي نحن ما لاقينو»، ما زالت الصراعات والتيارات موجودة وهذا قطعًا يضعف الكيان السياسي داخل البلد، نحن محتاجين في «الأول نقعد كلنا»، و«ما عارف تتعمل كيف»، لكن لا بد أن تراجع الناس نفسها، يعني ما ممكن يحصل صراع وكل زول قاعد براهو وهم أسباب البلوى، ونحن كلنا مسؤولون وعلينا أن نتنازل ونقعد ونشوف الأسباب التي أدت لهذا التأخر، وهذه مشكلة عايزة مراجعة وعايزة وقت واتفاق بين الناس لنمضي للأمام بشكل يتناسب مع تاريخ هذا البلد وتاريخ استقلاله بالذات «58» سنة. دأبنا على تعليق مشكلاتنا على شماعة التآمر الخارجي، لو قايست لنا بين تآمر الآخرين وتآمرنا على أنفسنا؟ «حكاية تآمر وعدو هذه شي مبالغ فيه»، الذي يشاهد تلفزيونا وإذاعتنا يحس بأنه في حرب علينا وهذا يعكس عننا صورة غير جيدة، والتآمر هذا صراع دول، وهذه لعبة السياسة، والشيء الطبيعي أن تجد دولاً معك وأخرى ضدك، لكن ما السودان وحده هو المتآمر عليه، في تآمر لكن لا يجب التعاطي معه، ما ممكن أن حديثنا كله عن التآمر... التآمر... تآمرنا على أنفسنا هل أوجد مساحة للآخرين ليتآمروا علينا؟ نحن عندنا حكاية التآمر «زي موضة»، في تآمر لكن ما طوالي تتكلم عن التآمر في أخطاء مننا دون تآمر، يعني التآمر ده جزء لكن ما كله «رددها مرتين». وأنت طرف في رواية رفع العلم «1956» وبالضرورة شاهدت علمنا وهو يُطوى عن الجنوب يوليو «2011» صف لنا شعورك وقتها. شعور مؤلم جدًا، يعني بعد التاريخ الطويل هذا تلقى ثلث أرضك راح وربع سكانك راحوا والباقي خرطة مشوهة، وحتى الخرطة الباقية هذه فيها مشكلات وأنا مندهش أن المشكلات هذه كيف ما اتحلت قبل ما نسمح لهم بالاستفتاء. طالما شغلني هذا السؤال.. كيف فعلنا.. هل الجنوبيون أشطر منا؟ هذا سياق جيد للحديث عن التآمر لأنها بالفعل قضية تآمر حقيقي وواضح أن العالم الغربي متعاطف مع الجنوب، وأيد الجنوب لأكثر من سبب، سبب ديني وعرقي، فقضية الانفصال هذه حقيقة مؤامرة، ولكن نحن برضو أخطأنا، لا أدري ليه وكيف نسمح لهم بالانفصال قبل ما نعالج مشكلة الحدود وغيرها؟ كيف أتركه ينفصل بحدود ما معروفة، هذه فيها مؤامرة وضغوط ونحن من الساهل أن الناس تلوي أيدينا بالعقوبات والمقاطعة، فالمؤامرة في هذه الحالة واضحة جدًا لكن ما في كل حاجة نقول مؤامرة. على ذكر الجنوب هل صراعه الراهن يعود لهشاشة التكوين أم أن لنا مسؤولية أخلاقية نوعًا ما؟ أبدًا.. ما يحدث في الجنوب اليوم ليس صناعتنا إطلاقًا.. العالم كله يشهد، وهذا يبرهن أن الجانب الآخر لما فكر في الانفصال ما فكر فيه بعمق ولو فكر بعمق لأدرك أن الصراع ممكن يحصل لأن التركيبة معروفة تركيبة قبلية، ونحن لا نقول هذا كشماليين لكن لو كان الجنوب داخل السودان الموحد ده ما بيحصل أبدًا ولو السودان موحد ما بحصل هذا الصراع لأننا نشكل حاجزًا ناعمًا جدًا بين كل هذه القوى، فنحن لدينا المسؤولية الأخلاقية والسياسية لحسم هذه الصراعات، لكن الآن ثمة جانب أخلاقي لا أقول مسؤولية أخلاقية بالمعنى الضيق، لكن بفتكر نحن أقرب الناس لهذا الجسم الذي انفصل، لكن ما في ثقة بيننا.. الجنوبيون مختلفون ولكن يتحدوا لو دخلنا نحن ظهر الشمال. هل حقًا أن فكرة إعلان الاستقلال من البرلمان كانت فكرة مستشار الحاكم العام وليام لوس وليس الأزهري مثلما قال الإعلامي محمد محمد خير؟ والله اسألي منه محمد خير. ذاك رأيه فماذا عنك. أنا ما عندي راي، أنا راجل «ربورتر» أنا ما زي محمد خير، هو رجل مؤرخ، ورجل لما ذكر الحكاية تلك قال إنه بعرف لوس، أما أنا فغطيت مهنيًا ما رأيته، وأنا دائمًا لا أعطي نفسي دورًا أكبر من الحقيقة. ما وقع في نفسك بغض النظر عن الحقيقة المجردة. أنا رويت قبل أيام في المجلس الوطني أنه ثمة عوامل كثيرة حدثت دائمًا التاريخ يكتبه عدد من الناس، يمكن الزاوية التي عملت من خلالها زاوية ضيقة جدًا لكن في زوايا أخرى أنا ما شفتها، التكامل هو الذي يعمل التاريخ، وأنا رويت ليه الناس عايزة الاستقلال، بينما حزب الأزهري نشأ على مبادئ الوحدة مع مصر. لم؟ لأنه في تطور في الشارع في مصر حصلت مشكلات ومظاهرات وإعدام عبد القادر عودة، وأحداث المنشية والنقابات، هذا جزء الناس لا تعرفه وعبد الناصر نفسه لم يعترف الشعب المصري بزعامته إلا في 1956 بعد أن أمم القنال، لكن قبل ذلك الشعب المصري كان ضد ثورة الإقطاعيين والأحزاب وبقاياهم، ونحن زي المصريين البحصل هناك بحصل عندنا فدي خلَّت الناس يخافوا يقولوا ليك نحن لو استقلينا أو اتوحدنا ممكن يحصل كذا وكذا وهذه من الأشياء التي دفعت الناس لاختيار الاستقلال، وكما قلت إن محمد خير قال إنو السير لوس والإنجليز وعدد من الناس بيكونوا طرحوا موضوع الاستقلال عن مصر.