هذا هو عيد استقلال السودان يطل علينا معلنًا ذكرى عيده الثامن والخمسين (58) ونحن من الذين عاصروا الحركة الوطنية من الذين شهدوا رفع العلم، ولقد كانت بداية الحركة الوطنية هي ثورة (24) بقيادة علي عبد اللطيف ورفقائه الأبرار، وتوالت الحركات في أنحاء متفرقة في السودان تعلن بشدة رفض الاستعمار، وقام مؤتمر الخريجين لينضم الثوار تحت لواء واحد، هكذا كانت الأحزاب في ذلك التاريخ.. الحزب الوطني الاتحادي الذي كان ينادي في البداية بالسودان للسودانيين، وكانت الجمعية التشريعية التي أسسها الإنجليز لوقف التيار الوطني ولكنها كانت تحت إرادتهم ووقف ضدها الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الاتحادي وقال: لا نقبلها ولو كانت مبرأة من العيوب، وقامت المظاهرات في كل أنحاء السودان تندد بها وسقط شهداء في مدينة عطبرة قرشي الطيب ورفقاؤه الأبرار.. وحزب الأمة قبل بها، ووقتها استقال محمد أحمد المحجوب منها، وأبو الصحف أحمد يوسف هاشم، وقال الزعيم إسماعيل الأزهري قوله الشهير إن دعوة حزب الأمة «السودان للسودانيين» كلمة حق أريد بها باطل، وظل الأزهري ينادي بالاتحاد مع مصر ولكنه أخيراً استدرك بعد أن نصحه اللواء محمد نجيب رئيس مصر الذي كان يحب السودان ألا ينادي بالاتحاد مع مصر وعليهم أن ينادوا باستقلال السودان، ومن يومها ظل الأزهري يجوب السودان ليعرف رغبات شعبه، وأخبر بشير محمد سعيد رئيس تحرير صحيفة الأيام بأنه سوف يعلن استقلال السودان من داخل البرلمان، وكان مفاجأة وفرحًا وسرورًا إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان، وهكذا وقف الأزهري والمحجوب ليرفعا علم السودان خفاقاً، وهكذا كان الأزهري قائدًا أمينًا ومناضلاً، ودخل السجن مرات ومرات وظل يندد بالإنجليز، وهذا هو إسماعيل الأزهري قائد الشعب الذي حينما قامت حكومة مايو أدخلته كوبر، وما هو جرمه هو الذي ناضل من أجل الوطن وهو سجين مات شقيقه علي الأزهري وأحضروه للعزاء تحت حراسة مشددة، وأُصيب بجلطة أودت بحياته، وهكذا اندفعت الجماهير من كل أنحاء السودان لوداعه، وضاقت العاصمة بما رحبت، والجماهير أمام منزله بأم درمان اصطفت حتى مقابر البكري، مما جعل الرئيس نميري ومن معه يحلقون بالسماء بالطائرات، ومن الطرائف ادعوا أن الزعيم توفي ويعمل معلمًا بالثانويات ولكنه كان معلماً وقائدًا للشعب والاستقلال ورفع العلم خفاقاً وقال الشاعر: أزهري بصراحة ما هو الزعيم الفاوه يوم رفع العلم صفقنا ليه ببراوه أزهري من صفوف الشعب منقه نقاوه تصريحك خطير في الجريدة نشرتوا يا غاندي البلاد أنت الوطن أذعتوا معلوم الكلام القلتو قد نفذتوا إن رضوا أم أبو علم البلاد رفعتوا هكذا كما قال الأزهري سلمتكم استقلالاً نظيفًا ذي صحن الصيني لا شق ولا طق، هل حافظتم على هذا الاستقلال؟ أسألوا أنفسكم ولنراجع ونقلب صفحات التاريخ ونتعلم الدروس ولنحافظ على هذا الوطن.. أخيراً أقدم التهاني للشعب باستقلال السودان والرحمة والمغفرة للزعيم إسماعيل الأزهري ورفاقهم الميامين، ودمتم بحفظ اللَّه.