قلت لصديقي وزميلي محيي الدين شجر ونحن نتجوّل في شوارع دمشق قبل سنوات عديدة، متى نطبّق قانون مرور السيارات مثلما يطبق في جلق هذه فنظر لي صديقي والدهشة مرسومة على وجهه وقال لي ما هو الشيء الذي يطبّق هنا ولا يوجد في شوارع الخرطوم؟ فقلت له انظر لهذه اللافتة فقط وما مكتوب فيها، فزاد إعجابه بالكلمات المكتوبة التي كانت تقول: (يمنع الزنبور من الرابعة عصراً وحتى السابعة صباحًا) والزنبور هو (البوري أو الكلاكس) بالعامية السودانية، ولك أن تتخيّل نفسك بعد الرابعة عصرًا في أي حي من أحياء دمشق أو في كل أرجاء سوريا وأنت ترى السيارات تسير بنظام منقطع النظير ولا تسمع «بوري» واحد، فتذكرت المثل الذي يتداوله البعض وهو أن القيادة فن وذوق وهي كذلك بالفعل في جميع دول أوربا وعدد من الدول العربية عدا السودان الذي تصبح فيه قيادة السيارة «القوي ياكل الضعيف» فالكثير من الشوارع ذات الاتجاه الواحد لا يطبّق فيها القانون والعديد من المخالفات تُرتكب «والجودية» التي عُرف بها السودانيون تحل هذه المخالفات، ولكن الآن بعد أن شرعت إدارة المرور في تطبيق لائحة التسويات الجديدة المتعلقة برصد نقاط المخالفات المرورية إلكترونياً بهدف الحد من الحوادث المرورية، فإن الجودية لن تنفع وكذلك الإهمال في القيادة لن يجدي، والذي يجدي هو فقط أن تصبح القيادة فن وذوق كما يشاع عنها وأن يلتزم جميع سائقي المركبات العامة منها والخاصة بقواعد المرور وقوانينه حتى نلحق بالأمم التي سبقتنا في كل شيء، فبعد أن كان السودان من أوائل الدول في النظافة والنظام أصبح الأخير الآن، وكما كان السودان من مؤسسي الاتحاد الإفريقي لكرة القدم إلا أنه أصبح الآن بعيداً عن الألقاب الإفريقية، وكان السودان يغذي أوربا بالقطن طويل التيلة وقصيره والآن مشاريعه هذه التي تنتج القطن تبحث عن منقذ لها وبعد.. وبعد.. كثيرة هي الأشياء التي كان السودان فيها في المراتب الأولى والآن تأخر كثيرًا ولا بد لنا من العودة السريعة لقيادة إفريقيا والعرب في كافة المجالات، ونرجو أن يكون تطبيق اللائحة المرورية الجديدة هو البداية للسير في الطريق الصحيح للسودان الجديد الذي نحلم به.