في الوسط ما بين بلح الشام وعنب اليمن يتأرجح زورق زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، فلا هو صدع بمغادرة تحالف المعارضة تمامًا ولا انتسب إليه بالتمام، وكذا حاله مع الحزب الحاكم، لا هو عارضه على طريقة التحالف ولا هو اقترب منه على نحو ما تفعل الأحزاب التي تشاركه الحكم، ولكن ربما كان للمشهد الجهير الذي وثقته الكاميرات لرئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني الحاكم وهو يكرمه بوسام ربما كان مؤشرًا لاقترابه أكثر من الحزب الحاكم، قبول المهدي للتكريم أثار العديد من الآراء حوله فبينما أكبره البعض وثمَّن خطوة قبوله المهدي استنكره المعارضون ورأوا أن شخصية المهدي ليست بحاجة لتكريم يدل عليها، وربما كان هؤلاء ينظرون لما هو أبعد من لحظة التكريم الآنية، وكأنهم يخشون وقع خطوات المهدي التي قد تفضي لوضع يده في يد المؤتمر الوطني جهارًا، ومتى ما تحقق ذلك فإنها بطبيعة الحال ضربة قاضية للتحالف، ولعل الأمة في نهاية يونيو من العام الماضي عندما نظم لقاء حاشدًا لجماهيره بساحة مسجد الخليفة بأم درمان استعرض فيه قوته وثقله الجماهيري، لم تكن رسائله للحزب الحاكم فقط إنما للمعارضة أيضًا، تلك التي وصف بعضًا من أحزابها لاحقًا ب«الطرور» محتفظًا لنفسه بصفة «الصندل» وخشية المشفقين على التحالف من خروج الأمة ليس لذاته فقط فربما كانت مقرونة بالشكوك الكبيرة تجاه المؤتمر الشعبي المنشق عن الوطني فإذا وقع ذلك في ظل مفارقة الاتحادي الأصل الذي بات شريكًا رئيسيًا في الحكومة لصار حال التحالف يرثى له هذا إذا بقي التحالف أصلاً. التكريم أثار لغطًا كبيرًا وسط التنظيمات المعارضة ومنها الجبهة السودانية للتغيير التي أصدرت بيانًا أدانت فيه قبول المهدي للتكريم ووصفت ذلك بأنه مؤشر للتخذيل وخيانة قضايا الشعب السوداني، وزاد البيان «وسقطت أوراق التوت المتبقية والتي كانت تستر مواقفه المتأرجحة فلم يبق له إلا الإعلان الصريح عن انضمامه لمعسكر أعداء الديمقراطية والحرية والسلام»، والخطوة نفسها وجدت حظها من التداول في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل قطاعات مختلفة من بينها الصحفيون أنفسهم، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال موقف أحزاب التحالف من خطوة كهذه خاصة في ظل تأرجح علاقة الأمة بالتحالف لدرجة يتعذر معها معرفة ما إذا كان غادره فعلاً أم أنه باق على نحو صوري لا يسمن ولا يغني من جوع فها هو المسؤول السياسي للشعبي كمال عمر يعلن في لقاء حزبي في بحري في اليومين الماضيين عن أن الأمين العام لحزبه حسن الترابي وصلته دعوة التكريم إلا أنه رفضها وقال إنه لا يقبل تكريمًا من فرعون وكأنه تعريض بمن قبل التكريم، وأشارت مواقع الكترونية إلى أن أسرة السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد رفضت أيضًا التكريم. كثرة اللغط حول التكريم دفعت حزب الأمة لإصدار بيان وصف فيه الأحاديث الدائرة عن أن التكريم مؤشر لتوافق وتقارب سياسي بين الوطني والأمة بالتنطع والوهم، وزاد بأن ذلك التفسير يمثل قراءة خاطئة للأحداث واعتبر البيان أن التكريم اعتراف متأخر من الوطني بدور الأنصار في صنع الاستقلال، واعتبر أن استبدال الوطني للغة الهجاء تجاه الحزب والتي صدر بها بيانه الأول الذي حدث عن فشل زعيم الأنصار وإضاعته لوقت البلاد في الكلام بالتكريم هو أمر يخص الوطني وحده ولا يخص الحزب في قليل أو كثير، وأكد أن التاريخ الذي يحفظ للأنصار دورهم في صنع الاستقلال يجعلهم أهلاً للتكريم من قبل كل من يلج القصر حاكمًا سواء عبر صناديق الاقتراع أو عبر الأمر الواقع في إشارة للانقلاب العسكري، وجدد أمين العلاقات الخارجية للحزب نجيب الخير عبد الوهاب موقف الحزب الراسخ بأن التوافق والتقارب السياسي مع أي فصيل سياسي مرهون بموقفه من عودته للديمقراطية وإحقاق الحقوق المشروعة مضيفًا أن الأوسمة والوشاحات لا تحرك موقف الحزب قيد أنملة. المتابع لمواقف الإمام الصادق المهدي حيال الحزب الحاكم يجد فيها الكثير من المواقف الداعمة له وفي مقدمتها موقفه الرافض لإسقاط النظام بالقوة وهو أحد أبرز أركان الخلاف بينه وبين تحالف المعارضة كما أن مساعد الرئيس السابق نافع علي نافع وصف المهدي بالشخصية الوطنية رغم أنه اشتهر بكيل الانتقادات اللاذعة للمعارضة فضلاً عن مشاركة نجله كمساعد للرئيس وانتساب نجله الثاني لجهاز الأمن ربما كانت تلك هي أسباب الوطني للتكريم، ووصفها بيان الحزب بأنها تخص الوطني وحده. ولما كان قطاع شباب الأمة من المؤيدين لإسقاط النظام ومن الرافضين لأي محاولة تقارب مع الحزب الحاكم ورشحت أحاديث عن رفضه لمبدأ التكريم من أساسه هاتفت الصحيفة نسيبة منصور مصطفى عضو وكوادر من شباب حزب الأمة ونائب رئيس شباب تحالف قوى الإجماع الوطني نسيبة منصور مصطفى التي شخصت الإشكالية بين شباب الحزب ورئاسته بأن الأول يتكلم عن إسقاط النظام بينما يدعو الثاني للتغيير الناعم وبشأن التكريم انقسم شباب الحزب وفقًا لنسيبة إلى فريقين الأول رافض تمامًا للتكريم باعتبار أنه لا يعقل أن يقبل رئيس الحزب التكريم ممن سرق منه الشرعية والديمقراطية بأية حال من الأحوال وفريق ثانٍ ذهب إلى أن التكريم حق باعتبار أن الحزب مكون أساسي في صنع الاستقلال ولكن الجهة المكرمة لا تستحق أن تكرم رموز الاستقلال كما أن رئيس الحزب إذا كان له أن يتنازل عن حقه في شرعية حكمه فليس له أن يتنازل عن حقوق جماهير حزبه خاصة أو جماهير الشعب التي كان يمثلها عامة. ويبقى أن الإمام المهدي سيظل مثار جدل في الكثير من خطواته السياسية ليس على مستوى الساحة السياسية فقط إنما على مستوى حزبه الداخلي أيضًا إلى أن يرسو الإمام على موقف واضح بمغادرة خيار اللون الرمادي المفضل لديه على ما يبدو إلى خيار اللون الأبيض أو الأسود.