حتى اليوم لم يستقر الفهم عندي حول ماهية العلاقة بين النوبة في جنوب كردفان وبقية ولايات السودان الأخرى، والنوبيون الذين يقطنون في شمال السودان وبعض ولاياته الأخرى أيضاً بنسب متفاوتة... البعض يقولون إنهم أولاد عمومة... كانت قبيلة تدين بالمسيحية وجزء منهم هاجر إلى جنوب كردفان والبقية ظلت باقية بالشمال لتختلط بالعرب واكتسبت منهم الإسلام واللون الفاتح... حتى أن الغالبية من النوبة الآن في جنوب كردفان يدينون بالإسلام ديناً أصيلاً شأنهم شأن غالبية السودانيين في الولايات الأخرى. لكن ليس هذا المهم عندي من حيث العرقية والجهوية والقبلية... بل المهم عندي أن هناك درجة علاقة بينهما... وفي النهاية كلهم وجميعهم سودانيون مسلمون كانوا أو مسيحيين. يبدو أن الحلفاويين كأحد أفرع قبائل النوبيين من الشمال لم تطب لهم الحياة بعد الهجرة من مدينتهم حلفا القديمة التي تعرف بوادي حلفا والتي هجّرهم منها الرئيس عبود وعبد الله خليل... وأظنكم سمعتم كثيراً ماذا قال الحلفاويون حينها لعبود ومازالوا حتى اليوم غضباً لاغتصاب أرضهم ومنحها لمصر ليقام عليها السد العالي الذي لم يستفد منه السودانيون ولا أهل المنطقة على وجه التحديد... هجرة الحلفاويين إلى حلفا الجديدة جعلتهم في غيبوبة لم يفقيوا منها حتى اليوم... بل أصابتهم في مقتل في كل شيء في حياتهم مأكلهم وصحتهم و «صلاتهم الاجتماعية» وثقافتهم، فلم يعد الحلفاويون على ما كانوا عليه.. وحتى حضارتهم لم يواكبها التطور بل حدث لها كساد في مفاهيم التطور... ونخيلهم تدهور صحة وإنتاجاً... وتركوه. والحلفاويون غالبيتهم ماتوا في مدينة حلفا الجديدة بسبب أمراض السرطان والملاريا وتشتتوا في كثير من ولايات السودان هروباً من الواقع المرير الذي تعيشه البقية الموجودة منهم هناك... وبدأت حلفا القديمة تروق لهم وبدأوا يرفعون الأصوات منادين بالعودة إليها... وهذا من حقهم فمازالت حلفا تحتاجهم وهم يحتاجونها... ونخيلهم هناك باقٍ... بالأمس وأنا في مناسبة اجتماعية لأهل حلفا المهجرين التقيت الكثير من أهلها ومن بينهم الأخ المعتمد السابق طارق توفيق والمعتمد عبد الجبار الذي قلعوه قبل أن تقلعه الأيام المقررة لأي معتمد أن يقضيها إذا كان صاحب إنجاز ومجهود مقدر بمدينة حلفا الجديدة.. على العموم... تمت إحالة العقيد أمن عبد الجابر ليحل محله معتمداً آخر لم نعرف له شيئاً حتى الآن ولا جديد على أرض الواقع... قال لي الأخ المعتمد السابق طارق توفيق في عجالة أن هناك محاولات كبيرة وجيدة للعودة حسب ما ورد له في فيلم فيديو لأهالي حلفا يطالبون فيه بذلك ويسمونها «مأساة عبود لن تعود» أين نحن في بلد لا تعرف فيه من نحن؟ كفاية... راجعين لبلاد الذهب... والنوبة... شفرة النصر في حرب أكتوبر باللغة النوبية... وهتفنا وكبرنا الله أكبر ورفعنا رايتنا نوبيون مازلنا نسيِّر دفة التاريخ للأمام... أتقولون علينا من نحن... نحن ملوك الدنيا... أحفاد ترهاقا... وترهاقا أصل الدنيا... مأساة عبود لن تعود.. والنوبيون يرفضون التميز العنصري. هيا نتكاتف نتماسك لأجل العودة. انتهى حديث الفيديو حتى هذا... جميل لماذا لا تعودون إذا كان ذلك ممكناً وسهلاً بعد كل هذه السنوات الطويلة التي تأقلمتم فيها على الحياة بحلفا الجديدة وترعرع أبناؤكم وكبروا ولا يعرفون شيئاً عن حلفا القديمة... لقد تأخرتم وفات الأوان أيها النوبيون... «والإنكتب على الجبين الليلة بان»... أخي طارق أعتقد أن المطلوب اليوم كيف نعيد حلفا القديمة كما هي في حلفا الجديدة ولم يتبق في العمر كثير.. حلفا الجديدة هي التي تحتاج إلى تضافر الجميع لأجل أن تكون... «والٍ يشعر بأهميتها ودورها ومعتمد له مواصفات تجعل من حلفا الجديدة مدينة يُشار لها بالبنان».