في الفترة بين عامي 1960 و1970، تم بناء السد العالي الذي يُعتبره المصريون أكبر انجاز هندسي بعد الاهرامات، لكن بحيرة السد العالي صادرت الطمي من النوبيين في مصر والسودان وغمرت أراضي الحلفاويين في شمال السودان ودمرت مدينة حلفا القديمة وطمرت آثارها التاريخية التي لا تُقدر بثمن، وفي عام 1964 هُجر الحلفاويون قسراً إلى مدينة حلفاالجديدة في أرض البطانة في شرق السودان وقد تم ذلك رغم مقاومة الحلفاويين للتهجير وتمسكهم بموطنهم الأصلي وجهرهم بهتافهم الشهير "حلفا دغيم ولا باريس" ، ومن المفارقات التاريخية المحزنة أن هناك جزء من أراضي حلفا القديمة الخصبة يُعرض الآن للبيع للدول الأجنبية والمستثمرين الأجانب ، ومن المؤكد أن التهجير القسري للحلفاويين هو مأساة انسانية كبرى ألمت بهم ورغم ذلك فإن بعض الشكرية الذين هُجر الحلفاويين إلى أرضهم قد اشتكوا من أن تهجير الحلفاويين إلى موطن الشكرية قد أدى إلى تعرية البيئة وانقراض حيوانات الصيد في جبل المعيقل بالبطانة ولذلك قال أحد شعرائهم: أرانب الشقلة ماتن خلاص وانجزن ، وديك ناس حلفا فوق راس المعيقل أذن! هاهو التاريخ المأساوي يعيد نفسه في شمال السودان ، فقد أدى بناء سد مروي إلى غمر أراضي الجزيرة شرى موطن قبيلة المناصير ، وتم تهجير بعض المناصير قسراً إلى أراضٍ قاحلة في شمال السودان في صحراء المكابراب ووادي المقدم والملتقى رغم وجود إمكانية لتوطينهم في سهل البان وسهل ابو حراز ومنطقة أم سرح ورفض بعض المناصير الانتقال إلى الرهد وجبال الفاو في شرق السودان، واليوم يدخل اعتصام المناصير بمدينة الدامر في شمال السودان شهره الثالث كأطول اعتصام في العصر الحديث وسط تعتيم إعلامى محلي ودولي مريب ، قضية المناصير هي أعدل قضية وهي قضية انسانية بحتة ليس لها أي أبعاد سياسية ويجب على الحكومة السودانية ألا تتجاهل اعتصام المناصير ، فالتنمية عبر بناء السدود هي عمل حكومي مقدر ولكن يجب في كل الأحوال حل قضايا المواطنين المتضررين من إنشاء السدود بشكل عادل. من المؤكد أن السودان يمر الآن بظرف عصيب وهو مهدد بحرب أهلية قد تنشب في أي لحظة بين السودان وجنوب السودان وها هي الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أخذت ترفع صوتها احتجاجاً على الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق مما ينذر بتدخل دولي وشيك في شؤون السودان ولهذا فإن حل قضية المناصير في شمال السودان يجب أن يكون أولوية لحكومة السودان ، أما أهلنا المناصير فلا نملك إلا أن نتضامن معهم بقوة ونقول لهم تمسكوا بحقكم الطبيعي في التوطين حول بحيرة المناصير قريباً من موطنكم الأصلي وطالبوا بحقكم المشروع في التعويض عن النخيل والبيوت والأراضي التي غمرتها مياه السد فلا نريد أن نرى اليوم الذي يؤذن فيه ديك المناصير في جبال الفاو! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي