قبل مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» في الحكومة دار جدل كثيف بين المؤيدين للمشاركة والمعارضين لها داخل الحزب، وكان من أبرز المعارضين آنذاك حاتم السر الناطق الرسمي باسم الحزب وابن الميرغني محمد الحسن، كما كان من أبرز القيادات المعارضة للمشاركة في الحكومة حسن أبو سبيب وعلي السيد وبخاري الجعلي. أما حاتم السر كان أكثر المعارضين حتى قام بتجميد نشاطه احتجاجاً على مشاركة حزبه، وأصبح مستشاراً بالبنك الإسلامي السوداني، وفي خضم هذه الأجواء حسم مولانا آنذاك الأمر بإرساله رسالة لقياداته كان مفادها «القاعد أقعد والعايز يمشي يمشي» وفي نهاية الأمر كما هو معروف انتهى الجدل بإعلان الحزب مشاركته في الحكومة وقيل إن القرار اتخذه الميرغني في إشارة إلى أن الأمر يعبر عن قناعات الميرغني فقط وليست المؤسسات وفقا لمراقبين. وفي خطوة وصفت بالمفاجئة دعا القيادي بالحزب الاتحادي الأصل حاتم السر الأحزاب الحاكمة والمعارضة لتقديم تنازلات وتغيير منهجها في طريقة التفكير والعمل والابتعاد عن المناورات والمكايدات السياسية لتجاوز ما أسماه بالظرف الصعب والاتفاق حول القضايا الوطنية الكبرى، وقال السر إن مهمة تجاوز المرحلة التي يمر بها السودان حالياً تحتاج لتهيئة المناخ لتحقيق الوفاق الوطني الشامل. وأضاف أن هذا الاستحقاق المهم يحتاج لإرادة سياسية ليس من المؤتمر الوطني وحده، وإنما من كل القوى السياسية وأن لقاء وفد الحزب الاتحادي الأصل مع الرئيس عمر البشير ببيت الضيافة ليل الأربعاء تم خلاله اتفاق على أن المرحلة الجديدة ينبغي أن تكون الدعوة للوفاق الوطني أبرز عناوينها، وأضاف السر أن اللقاء مع البشير كان تمهيدياً دار فيه حوار أوّلي وتفاهم حول القضايا والتحديات في الساحة وتفاهمات حول ما ينبغي عمله في هذه المرحلة. مواصلة الحوار وقال السر اتفقنا على مواصلة الحوار بين الطرفين وعلى أن يكون هنالك اتفاق حول القضايا الوطنية الكبرى التي تهم كل البلاد، مضيفاً أنه تم اتفاق على تواصل اللقاءات بين جميع القوى السياسية وصولاً لتوحيد أهل السودان عبر حوار جاد ومسؤول، وشدد على أهمية ابتعاد الأحزاب عن ممارسة سياسة الإقصاء والاستعلاء، وقال القضية تحتاج لإرادة سياسية قوية ليس من المؤتمر الوطني وحده وإنما من كل القوى السياسية الأخرى، ولا بد من تقديم تنازلات من الجميع ولا بد من تغيير المنهج في طريقة التفكير والعمل، وأشار إلى أن مبادرة الميرغني تقوم على تهيئة المناخ لإجلاس الفرقاء من أحزاب ومنظمات على طاولة حوار وطني سوداني سوداني لوضع معالجات حقيقية لقضايا الحرب والأزمة الاقتصادية والعلاقات والحريات والدستور وأن الدستور لا بد أن يكون قومياً ومعبراً. وفي السياق يرى عضو الهيئة العليا والقيادي بالحزب الاتحادي الأصل الأستاذ علي نايل خلال حديثه ل «الإنتباهة» أن توافق الأحزاب السودانية مع المؤتمر الوطني يعني أن يكون لهذه الأحزاب دور فاعل، ولن يكون لهذه الأحزاب دور إلا إذا شاركت في السلطة أو أخذت دورها في المعارضة الراشدة، واللقاء الذي تم بين الرئيس البشير وحاتم السر ومحمد الحسن الميرغني كنا نتوقع فيه ونأمل كاتحاديين أن يكون فيه شيء من الوضوح والشفافية أكثر من ذلك، لأن حاتم السر من الشخصيات التي نعول عليها كثيراً. برأيي الشخصي وتقديري ما حدث أو دار من حوار في ذاك اللقاء اتسم بالغموض والضبابية خاصة بصدد القضايا التي تم تناولها، وهي قطعاً لا تعبر عن مقترحات وآراء جماهير الحزب الاتحادي الأصل، بل أخذ اللقاء منحى آخر اختلت الموازين تماماً وأطروحة التنازلات الذي جاء بها حاتم السر لم يندرج تحت قائمة النقاش، وأضاف نايل ما هي تلك التنازلات التي يعنيها حاتم؟ هل هناك تنازلات أكثر من المشاركة الديكورية بالنسبة للحزب الاتحادي الأصل؟ وهل قصد من خلال دعوته تلك إشراك أحزاب المعارضة الأخرى أيضاً وتكبيل أفواههم ونيل نصيبهم من «الكيكة». وذهب نايل أكثر من ذلك بعدم اعترافه بمخرجات اللقاء وما جاء فيه مروراً بدعوة حاتم السر الذي وصفه بالأجوف وخالي المضمون، موضحاً ما يجب فعله أو مناقشته في ذلك اللقاء فقط هو الحديث عن تشكيل حكومة قومية انتقالية قبل موعد الانتخابات. قاطعاً نايل إن ظل هذا النظام موجوداً في سُدة الحكم ما علينا إلا مُقاطعة الانتخابات تماماً لأن مبادئ الحزب الاتحادي الأصل لا تعترف وضد المشاركة مع نظام شمولي عسكري أطاح بالديمقراطية وبوصفي عضو هيئة عليا قمت بأداء القسم أمام الميرغني لذا بموجب هذا القسم الذي يحتم عليّ التمسك بمبدئي وهو واضح ويعلمه الميرغنى جيداً أنا ضد هذه المشاركة، وهي لم تضف للأصل شيئاً، بل خصمت منه وما كنا نرجوه من حاتم السر في تلك المقابلة كان أكبر من ذلك، كان عليه وبمثل الشجاعة التي عرفناها به تقديم طرح واضح وهو ماذا تريد وتتطلع إليه جماهير الحزب الاتحادي؟ ووصف نايل مبادرة الميرغني المطروحة والتي تم تناولها في ذاك اللقاء «بالفبركة أو الصناعة المحلية» لأنها لم تناقش أيضا أكبر المعضلات وأزمة الشعب والمعارضة معاً وهو بند تشكيل «الحكومة الانتقالية» قبل الانتخابات وهي غير مضمنة ضمن قائمة المبادرة، لذلك هي غير مقبولة البتة. في ذات السياق أشار المحلل السياسي فتح الرحمن السيد ل «الإنتباهة» إلى أن المؤتمر الوطني هو المعني بالتنازلات لأنه يملك كل شيء ويسيطر على كل مفاصل الدولة تماماً ومن يملك الشيء هو الذي يتنازل عنه أو جزء منه وهنا بالطبع الأمر واضح وجلي، والمطلوب هو تنازل المؤتمر الوطني من نصف السلطة التنفيذية والتشريعية للأحزاب المتبقية التي لم تشارك في الحكومة ويحتفظ بالنصف الباقي له وللأحزاب التي تشاركه الحكم بما فيها حزب الأمة والاتحادي والأحزاب المنشقة التي تعيش تحت كنف المؤتمر الوطني ردحاً من الزمن، وهذا تنازل يضمن للكل فعالية لإنهاء حالة الاحتقان السياسي الراهنة. الدستور يجب أن يكفل حقوق المواطنة ومراعاة التنوع الثقافي والإثني وإدارته مع إعادة هيكلة الحكومة، كما يجب أن يشتمل الدستور على حقوق وواجبات الموطنة مع إلغاء كل القوانين الولائية والمحلية المتعلقة بالجبايات والأتاوات التي تمارس حالياً بالطرق القومية والولايات لأنها السبب الرئيس في هتك النسيج الاجتماعي للتلاعب والعبث به.