الحمد لله الذي أمدّ في عمرنا ونَسَأَ في أجلنا وأرانا بعض ما وعدنا في أنظمة اقتصادية ظالمة مصيرها إلى فناء «وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون». ها نحن ولله الحمد والمِنّة نرى سقوط النظام الرأسمالي كما رأينا زوال النظام الشيوعي وعشنا عصر تساقط النظريات وذهاب بريق المذاهب والتصورات وذبول الكلمات البراقة وتهاوي الأوضاع التي حشدت لها كل قوى التزيين والتمكين. لقد تنبأ علماء الاقتصاد الوضعي وكذلك المفكرون الإسلاميون أمثال الشهيد سيد قطب بانهيار الشيوعية والرأسمالية لأن النظامين البشريين يقومان على مفاهيم ومبادئ تتعارض مع فطرة الإنسان السوي وسجيته فضلاً عن أنها تتعارض مع ما وضعه الله الخبير العليم بما خلق من أحكام ومبادئ وضوابط تضبط حركة الإنسان أفراداً وجماعات ودولاً في حياتهم الدنيا. سقطت الشيوعية على سنة ماركس وإنجلز ولينين وعلى سنة إستالين وتروتسكي لأنها نظرية تتعامل مع القروض لا كمنهج يتعامل مع الواقع كما الإسلام، سقطت لأنها قامت على مشاعية الجنس والمال وأصطدمت مع الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها فلا حياة ولا مستقبل مع نظام يتصادم مع سنن الله في الإنسان والحياة والكون وأي مستقبل ينتظر نظرية تنكر وجود الله. بل أي مستقبل لنظام أقامه اليهود حسدًا وحقدًا على البشرية لتمزيق الأوطان والقضاء على القوميات والأديان. وتحققت نبوءة المفكرين الإسلاميين من قبل وسقطت الرأسمالية وإن أردنا دقة التعبير على وشك السقوط تحت ضربات الواقع وتحرك شوارع عواصم الرأسمالية في العالم، وسيرى العالم قريباً عهدًا بلا شيوعية ولا رأسمالية. ولكن لماذا تسقط الرأسمالية رغم السلب والنهب الذي مارسته دولها من استعمار للشعوب ونهب لثرواتها؟ سقطت أو آيلة للسقوط لأنها كأختها الشيوعية قائمة على سنن تتعارض مع سنن الله ومع القيم والأخلاق كما أنها قائمة على الظلم وأكل أموال الشعوب بالباطل وانحازت إلى الأغنياء ضد الفقراء وعملت إلى إذلالهم وظلمهم وإضعافهم لاستعبادهم مدى الدهر حتى لا يسلب هؤلاء ما في أيديهم من أموال جمعوها عن طريق الحرام. نظام قائم على الربا ونظام فوائد القروض والائتمان لا بد لها أن تمحق «يمحق الله الربا». نظام قائم على الاستغلال والكذب والشائعات المغرضة والغش والتدليس والاحتكار والمعاملات الوهمية كسوق المواسير، هذه الموبقات لا بد لها أن تؤدي إلى الظلم والظلم يقود إلى تذمر من أفقرهم هذا النظام الرأسمالي اللا إنساني ولا بد أن ينفجر المتذمرون ويقودوا الثورات الاجتماعية. نظام قائم على أساس جاهلي كما كان أهل الجاهلية «أتقضي أم تربي» لمن عجز عن دفع القرض الأول بفرض سعر فائدة أعلى على القرض. الإسلام أول تشريع عام يربط السياسة بالاقتصاد ويترتب على الربط بما قاله الله في كتابه «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» ومطلب الإنسان الأساسي في هذه الحياة الدنيا هو الأمن والأمان والاستقرار وتقليل المخاطر. والسؤال الآن ونحن نعيش أزمة مالية: هل نظامنا المالي والاقتصادي وكذلك مؤسساته المالية تقوم على مجموعة من القيم الإسلامية الصافية التي تحقق الأمن والاستقرار؟ هل المصرفيون ورجال المال ملتزمون بالقيم والمثل والأخلاق مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل، فلا اقتصاد إسلامي دون مثل وأخلاق ولن نكون قدوة وأسوة للآخرين في العالم إلا بهذه القيم. هل يلتزم المنتجون بالقيم الإيمانية والأخلاقية ويعتبرون هذا الالتزام طاعة لله يثاب عليها المسلم وتضبط سلوكه في كل الأحوال في حال الرواج أو الكساد أو حالة الاستقرار أو الأزمة؟ هل يقوم اقتصادنا على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة التي تحقق العدل والحق؟ هل تخلصت مصارفنا من كل العقود الاستثمارية التي تعتمد على التمويل بالفائدة واسمها الحركي الشيطاني «العائد التعويضي» التي هي من الأسباب الرئيسية للأزمة العالمية. هل يقوم نظامنا المصرفي على مبدأ التيسير لمن يعجزون عن السداد لأسباب قهرية أم ينفذون فيهم الرهن مما يسبب التشريد والطرد ويقود إلى أزمة اجتماعية وإنسانية. لا بد من إعادة النظر في سياسة « اقتصاد السوق» الذي تسبب في ازدياد الأغنياء غنىً والفقراء فقرًا وهي سياسة ليست من الإسلام في شيء. لا بدَّ من التخلُّص من هذه السياسة في دستور الجمهورية الثانية الإسلامية، جمهورية الوسطية والاعتدال. و إلا فانتظروا الطامة الكبرى.