أما عبد العظيم فقد عبّر عن أشواق الإسلاميين بأفضل ما أُتيح له.. فقد وضع على الزجاج الخلفي لسيارته صورة رمزين.. وطني.. وشعبي.. وبلغت به الحصافة مبلغًا عالياً لمّا لم يضع صورة الترابي.. بل وضع صورة قيادي آخر بالشعبي.. كما أن حصافته لم تقف عند هذا الحد بل ساقته إلى أن عرف أنه بروتوكوليًا لا يمكن وضع صورة الرئيس.. فوضع صورة قيادي آخر.. أما صلاح أحمد إبراهيم فقد عبّر عن أشواق الماركسيين بعد أن فك الله أسره من براثن كفرهم فقال معلقًا على زيارته للعراق والتقائه بالرفاق «رأيت وجوهاً حنفها اللؤم» وصلاح أحمد إبراهيم أيضاً لم يقف عند هذا الحد في إظهار أشواقه الحقيقية فقد رثى أحد الرفاق الذي توفي في إقليم من أقاليم العراق فوصفه وأجاد «إنه شيوعي نفق في ريف العراق». ولا ينفق في ريف العراق أو غيره من الأرياف إلا الأبقار والماعز والأباعر والحمير. إن رمزية الشعار الذي وضعه الشاب المجاهد عبد العظيم لا تخفى على ذي بصر ولا ذي بصيرة.. فلو كانت الأشواق إلى السحن والعمائم واللحى لكان شيخ المؤتمر الشعبي أولى بالمكانة من غيره.. ولكن أشواق الإسلاميين الحقيقية هي إلى ما وراء كل هذه المباني.. هي إلى المعاني التي عاشها عبد العظيم وآلاف الشباب مثله عندما كان الانتماء إلى المؤتمر الوطني تبعة ومسؤولية وكان غرمًا وليس غنمًا. كان الشباب يطيرون إلى كل هيعة. وينفرون عند سماع كل صيحة.. فكنا نحن في المحافظات «المحليات الآن» نعاني أشد المعاناة ونكابد أشد المكابدة مع هؤلاء الشباب.. ليس لحضهم على النفرة والخروج في سبيل الله.. بل لإقناع كثيرين منهم بالتخلف .. والانتظار.. والتريث.. ولطاعة الأم أو الأب أو الأسرة.. وعلى الجهاد في هؤلاء.. كانت الدنيا آنذاك بخيرها.. وكانت الإنقاذ هي الدنيا.. ولم يولد المؤتمر الوطني إلا في آخر هذه الحقبة الجهادية وظل طفلاً إلى حوالى عام 1998م. لا أحد ينكر أن أشواق الإسلاميين إلى وحدة الصف الإسلامي هي أشواق مبررة.. بل هي مطلب حقيقي.. يعيشه ويتنفسه كثيرون منهم وأهل البصيرة النافذة يعولون عليها كثيراً في إصلاح التفاسد الذي طغى في العلاقة بين الفريقين. والإسلاميون عموماً ومنهم السلفيون يرون الوحدة تكليفًا ربانياً.. وهي على كل حال مصطلح قرآني لاشك في ذلك.. وهم بهذه الرؤية ينسون أن الوحدة المقصودة.. والتي أصبحت تكليفًا ربانيًا هي الوحدة التي انبنت على وحدة الهدف.. وهي وحدة الأمة المسلمة.. ومن هنا جاء التميز القرآني بين مصطلحات الأمة.. والشعب.. والقبيلة. فالأمة من القصد.. والهدف.. والغاية.. والمآل.. والشعب.. والقبيلة من العِرق.. والعنصر والنسب.. وأحسب أن تمياز هذا الفهم هو الذي جعل الإسلاميين كلهم بمن فيهم السلفيون يقفون وقفة قوية دفاعاً عن وحدة الشمال والجنوب.. مع العلم أنها لا تؤدي إلا إلى ضياع القصد والهدف.. والأمة. كانت الوحدة ستؤدي إلى ضياع الأمة لحساب الشعب والقبيلة، وكانت ستؤدي إلى ضياع الشريعة لحساب العلمانية، والأطفال في السودان يعلمون أن الوحدة لو قُررت في السودان فقد ذهبت الشريعة إلى غير رجعة!! هذا ما تقوله نيفاشا والبروتوكولات.. فاقرأوها فإنها بين أيديكم.. وأرجو ألا يقع إخوة عبد العظيم في ذات الخطأ.. للمرة الثانية. فأشواق الإسلاميين تنبني على القصد والهدف والغاية ورمزية الشعار تدل دلالة واضحة على ذلك.. إن رمزية الأشخاص ينبغي أن تذهب ويُضحّى بها في سبيل رمزية الشعار ورمزية القصد والهدف.. إن لكل مرحلة قيادة وقادة وبرنامجاً.. أما زمان القيادة التاريخية، ورجال لكل العصور، والرجل الرمز.. كل هذا قد ولّى وانتهى.. وهو أصلاً ليس من أساليب القرآن ولا السنة.. «لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم» التوبة فهذه توبة العبد الطائع المنيب تقبل لساعتها ولوقتها «وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم» التوبة وأما توبة المذنب فهي توبة اختيار وتمحيص وابتلاء: «ثم تاب عليهم ليتوبوا» أي ليثبتوا صحة توبتهم وصدقها. إن وحدة الأشواق التي ينادي بها الإسلاميين جميعًا ينبغي لها ألا تكون مثل وحدة الدماء والدموع كما يقول الأخ الطيب مصطفى.. وهي وحدة وقى الله شرها على أي حال. ينبغي أن تكون وحدة قائمة على التوبة.. قائمة على الإنابة. إن على الحركة الإسلامية لتحقيق أشواق الإسلاميين بشقيهم أن تبرأ إلى الله من كل دخن ولج إلى فكرها واندس وسط صفوفها.. وينبغي عليها أن تنفي خبثها. نحن لسنا أوصياء على أحد وكل الإخوة هنا وهناك يعلمون علم اليقين ما هو المطلوب منهم لبناء صرح تحقق به أشواقهم وأحلامهم. إن الإسلاميين الذين هم لا ينخدعون بالباطل فإذا أريد للحركة الإسلامية أن تتوحد ولأشواق إخوة عبدالعظيم أن تتحقق.. فلن يمسح وطني ولا شعبي عارضيه بالقصر ولا بالبرلمان ليقول للدنيا: خدعت الحركة الإسلامية مرتين.. لا والله إن ذلك لن يكون ما بقيت فينا عين تطرف.