تونس، مهد الثورات العربية ومُنطلَق الربيع العربي، كانت في نظري هي نقطة الضعف الكبرى التي كنتُ أشكِّك في أن ثورتها جزءٌ من الثورة الإسلامية التي تجتاح العالم العربي بعد أن أذن الله تعالى بانتهاء فترة التيه التي ضربت الأمة فإذا بتونس الثورة تزيد من يقيني بأن توهُّماتي أو سوء ظني هذا من الشيطان وأن الله سبحانه وتعالى وليس الشعب أخي عادل الباز فعّال لما يريد، فالذي أخرج موسى من بيت فِرْعون هو الذي أخرج راشد الغنّوشي ظافراً منتصراً مهلِّلاً مكبِّراً من وكر شيطانَي الإنس بورقيبة وبن علي. ما زرتُ دولة أجنبيّة، خلا مصر، مثلما زرتُ تونس التي رأيتُها خلال فترة تسعينات القرن الماضي عبر عملي في التلفزيون أكثر من عشر مرات فرأيتُ فيها عجباً... دولة متبرِّجة «متفرْنِسة» لم أشهد خلال كل تلك الزيارات ولو لمرة واحدة شابة مُحجَّبة أو مُحتشمة.. كيف تحتشم النساء والإسلام معتقَل في سجون بورقيبة وبن علي ودعاتُه مطاردون في المنافي أو سجناء في «بيوت الأشباح» الحقيقية، أيها الشيوعيون والعلمانيون، والتبرُّج مفروض بالقانون والنخب العلمانية الحاكمة تُصِرُّ على أن تُحيل تونس إلى ماخور كبير يجذب العُراة من السيّاح من أطراف الدنيا من أجل المال!! كم مضى منذ أن كتب الشهيد سيد قطب رائد البعث الإسلامي الحديث كتابه «المستقبل لهذا الدين»؟! كم مضى منذ أن بشّر من داخل سجنه الكئيب بعودة الإسلام حين كان الإسلامُ مُحاصَراً مُطارَداً مُضطهَداً؟! كم مضى منذ أن أبصر ذلك الشهيد العاشق المولّه بحب الله، أبصر بعين الله أن الإسلام عائد عائد ومنذ أن أوصى الفئة المؤمنة من إخوانه المؤمنين بهذا الدين رغم بحر الظلمات المتلاطم الأمواج أن يرفعوا لواء الإسلام ويوقدوا شموع الأمل وينطلقوا من قبره الطاهر نحو المجد القادم رغم أنف الطغاة والجبابرة: أخي إن ذرفت عليَّ الدموع ٭٭ وبلَّلت قبري بها في خشوع فأوقد لهم من رفاتي الشموع ٭٭ وسيروا بها نحو مجد تليد إنها دموع الفرح أسكبُها في هذه اللحظات وأنا أكتب عن سيد قطب وصورته الحبيبة تملأ جوانحي فها هي البذرة التي رواها بدمه الزكي ومعالمه وظلاله الوارفة تستوي شجرة ظليلة تؤتي أكلها بإذن ربها، وها هي تثمر في تونس التي أسرجت خيلها للغنوشي وصحبه لينتزعوها من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وها هي ليبيا تُحرَّر من عميد طغاة التاريخ البشري وها هي مصر، وما أدراك ما مصر، تتأهّب لتواصل مسيرتها في قيادة الأمة ولاستعادة دورها التاريخي القديم، دور صلاح الدين وقطز من جديد بعد أن قَبَرَت الصغار ممّن لم يعرفوا قدرها فقزّموها وأذلّوها وأحالوها إلى مسخٍ مشوَّه وها هي سوريا تنتفض رغم قسوة الطغاة الذين أرى أتباعاً لهم، ويا للعجب، في السودان يرفعون شعار «البعث» وما هو ببعث إنما هو انحطاط وارتزاق وعمالة!! وستتوالى الثورة إن شاء الله تعالى في اليمن وستتواصل إلى أن تعود الأمة إلى حضن الإسلام إن شاء الله لتُحيل هزيمتها إلى نصر مبين. إنها دورة حضارية جديدة لا تحسبوها صدفة إنما هي مأمورة ورب الكعبة.. نعم إنها مأمورة وربِّ الكعبة رغم كيد الأعداء وتآمر المتآمرين. تأمّلوا بربِّكم كيف صادف ميلاد أمريكا تاريخ سقوط الأندلس!! حدث ذلك عام 2941 الذي يمكن أن نعتبره تاريخاً لانتهاء الدورة الحضارية الأولى للإسلام وبداية للدورية الحضارية للغرب المتمثل في أوروبا وأمريكا وها هو التاريخ يعيد نفسه وإذا بالثورات العربية الإسلامية تنطلق متزامنة مع بداية اضمحلال الحضارة الغربية وهل أدلُّ على ذلك من الهُوَّة السحيقة التي تتردّى فيها أمريكا الآن.. ليس اقتصادياً فحسب وإنما بالزلازل والأعاصير وغير ذلك من الكوارث الربانية التي أوقن أنها ستُنهي العصر الأمريكي وبالتالي الصهيوني وهل الثورات العربية في مصر وسوريا وغيرهما إلا إيذان بالمعركة الفاصلة لاسترداد الأقصى وسحق بني إسرائيل وإنهاء علوِّهم الموقوت وعدوانهم المقيت؟! أعود إلى تونس فقد كنتُ أعتبره نصراً مؤزراً إن فاز حزب النهضة الإسلامي الذي يتزعّمه الغنوشي بالمركز الأول متجاوزاً الحزب الثاني بمقعد واحد أما أن يحصل على 54% من الأصوات بينما يحصل الحزب الثاني على 51% فإن هذا اكتساح مُدهش وأثق أن راشد الغنوشي سيجد التحدي أقل والحمل أخف من ذلك الذي ابتُلي به رجب طيب أردوغان الذي جاء ليواجه ما يُشبه المستحيل في تركيا التي جثم عليها أحد أكبر شياطين التاريخ.. إنه الشيطان الرجيم مصطفى كمال أتاتورك. وبعد... لا أزالُ أكرِّرُ أن الغافلين لم يُدركوا حتى الآن أن انفصال الجنوب هو جزءٌ من الربيع العربي الذي حدث كلُّه في وقتٍ واحد فإذا كانت ثورة ليبيا قد أنهت تيه فترة القذافي وثورة مصر قد أسقطت تيه فترة مبارك والسادات وعبد الناصر وثورة تونس قد قضت على فترة تيه بورقيبة وبن علي فإن ثورة السودان المتمثلة في الاستقلال الحقيقي والانفصال المجيد قد أنهت تيه الاستعمار الجنوبي للشمال الذي انعتق أخيراً من قيد الجنوب وتوجّه نحو قبلة ربِّه لأول مرة بعيداً عن الابتزاز والتنازُع حول الهُويّة. أختمُ بالدعوة إلى التأمُّل في قدرة الله العزيز الحكيم الذي صدق قوله سبحانه: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ٭ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ». يا سبحان الله تأمَّلوا كيف فرّ بن علي طريداً وعاد الغنوشي من منفاه معزَّزاً مكرماً منتصراً وكيف أُخرج القذافي كالجُرذ من حفرة حقيرة وقُتل ورُمي جسدُه في الصحراء وكيف اقتحم سجينُه عبد الكريم بلحاج طرابلس فاتحاً وكيف عزّ بعد ذُلٍ وكيف يقبع مبارك في معتقله ويُحاكَم على سرير الموت ذليلاً كسيراً وكيف عاد القرضاوي من منفاه وصلّى بالملايين في ميدان التحرير!! تنويه: استجابة لرغبة العديد من القراء ولأهمية المقال نعيد نشره اليوم.