«روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم. فقال أصحابه وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». بعد انتشار مقطع راعي الغنم السوداني في مواقع التواصل الاجتماعي، يتداول السودانيون في المملكة العربية السعودية هذه الأيام، طرفة مفادها أن سودانيين، لم يتمكنا من تصحيح أوضاعمها إبان فترة السماح التي منحتها حكومة المملكة لمخالفي أنظمة الإقامة حتى يصححوا أوضاعهم، قد خرجا بحثاً عن عمل، فقابلتهم قوات الشرطة في الطريق وسألتهما عن هويتهما فأجابا: (ما عندنا إقامة إلا نحن من جماعة الطيب، طال عمرك)!، فسألهم قائد الدورية: من الطيب هذا؟ فأجابا بكل عفوية: (راعي الغنم االسوداني صاحب المقطع) فتبسم ضاحكاً من قولهما وقال: (أجل روحوا، تستاهلون، الله يستر عليكم). وقد تحدث الشيخ المحلاوي، مصور المقطع قائلاً: (قدر الله هذا أمر بدون تخطيط سابق؛ ليمضي الله أمراً كان مفعولا فقد ظهر الراعي على طبيعته، مما أظهر صدقه ومراقبته لربه). فقد أوضح انتشار المقطع وجود أفراد الصالحين في أمة، فالرجل كان في صحراء لا يراه أحد إلا الله ومع ذلك كان شديد المراقبة له سبحانه، وظهر فيه أيضاً حب عامة الناس للخير وتأثرهم بالواقع والوجه المشرق فراد هذه أمة المرحومة. وأشار المحلاوي «إن راعي الأغنام اسمه الطيب يوسف الزين أحمد «سوداني الجنسية». ويدل ذلك على أن الناس قد فقدت الأمانة والأمين، وعندما ترى هذه المعاني تفرح بها لأنها صارت نادرة. وأظهر المقطع محاولات «المحلاوي» لإقناع راعي الأغنام، مختبراً أمانته، في بيع شاة له دون علم صاحبها، مقابل 002 ريال فما كان من الراعي الأمين إلا الرفض قائلاً: لن أبيعها حتى لو أعطيتني 002 ألف ريال. من جانب آخر، استقبل وفد كبير من أعضاء الجالية السودانية أمام سفارة بلادهم في حي السفارات بالرياض ظهر اليوم الثلاثاء الموافق 18/ 04/ 1435ه الطيب يوسف الزين أحمد الراعي السوداني الذي نُشر عنه مقطع تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال السفير السوداني لدى المملكة، عبد الحافظ إبراهيم محمد: إن ما فعله الراعي ليس بمستغرب على أخلاق أي مسلم، وأن هذا الفعل نفخر به جميعنا لأنه يجسد ما يتمتع به الشعب السوداني من فضائل الأخلاق والسلوك القويم، فهذا الراعي، وعلى الرغم من حاجته لكن إيمانه وخوفه من الله كانا رادعاً بأن لا يخون الأمانة. وأعلن السيد السفير أنه سيتم تكريم الراعي بمبلغ 200 ألف ريال من الجالية السودانية تقديراً لهذا الموقف النبيل خلال الأيام القادمة بحضور وزير الاستثمار السوداني. كما تبرع له أحد رجال الأعمال السعوديين بمبلغ 20 ألف ريال، وكرمته إحدى الصحف في تبوك. عموماً، هذا الموقف البسيط والعفوي قد رسم صورة ذهنية بديعة عن الشعب السوداني؛ فقد أعاد إلى الأذهان ما كان عليه سلف الأمة الإسلامية من تربية سليمة تتسق تماماً مع ما أرشدنا إليه معلم الناس الخير حبيبنا ورسولنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم. فقد روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن كان يسير في بعض طرق مكة في زيارة لواحد من الصحابة رضي الله عنهم، وفجاة رأى رجلاً يرعي الغنم قد انحدر من الجبل فلما رآه عبد الله قال له: أيها الرجل هل أنت الذي ترعي هذه الأغنام؟ فقال له الراعي: نعم أنا راعي الغنم. فقال له عبد الله: أريد أن أشتري منك شاة من الغنم فهل تبيع؟ قال الراعي: أنا لا أمتلك الغنم إنما أنا مملوك عند سيدي، فلا أستطيع أن أبيع شيئاً منها. قال له عبد الله، يريد أن يختبره: قل لسيدك: أكلها الذئب فقال الراعي: فأين الله عز وجل؟ فتأثر عبد الله بن عمر بهذه الكلمة وبكي وهو يقول: فأين الله... فأين الله؟ ثم ذهب عبد الله مع هذا الغلام الراعي إلى سيده واشتراه من سيده واشترى الغنم كلها، ثم اعتق هذا الغلام وأعطاه الغنم هدية. وقال له: لقد أعتقتك هذه الكلمة في الدنيا فأسأل الله أن تعتقك يوم القيامة من النار. ولعمري كأنما التاريخ يعيد نفسه؛ فقد استخدم الطيب، الراعي السوداني، نفس الكلمات في نفس الموقف، مقدماً بذلك نموذجاً ومثالاً رائعاً لمدى تمسك أفراد أمتنا بدينهم نقياً دون أن تلوثه عوامل الزمن وضغط المعيشة وظروفها السيئة. ولعلنا نتساءل هنا لماذا يتجرأ بعض من يشغلون مناصب عليا على المال العام دون مراعاة لحرمة أو مخافة لله، بينما هذا الراعي يقول بأنه سعيد ومرتاح البال والضمير لأنه يكسب رزقه من حلال وهو راضي بما قسم الله له. علاوة على هذا، يدل عدد مشاهدي هذا المقطع، وقد تجاوز كل التوقعات، بأن الأمة بحاجة إلى قدوة أو قيادة رشيدة تدلها على الخير وتحثها على العمل الصالح، فيا ليت أننا انتبهنا إلى مناهجنا الدراسية وإعلامنا ونظامنا الاجتماعي حتى نعيد أمتنا إلى جادة الطريق والمنهج القويم الذي كان عليه السلف الصالح. وهذا الموقف من الراعي السوداني، يأتي مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا). والمخرج المقصود هنا هو الخروج من الضيق والشدة، أي: الفرج والنصر والرزق؛ فقد رأينا كيف أنهالت الهدايا على هذا الرجل من حيث لا يحتسب. إن من واجبنا الوقوف مطولاً أمام هذا المشهد الذي نبه كثيراً من الناس إلى خلق أصيل من أخلاق المسلم؛ وكأنما جعل الله هذا المقطع ينتشر؛ حتى تتلقى الأمة درساً ينبهها من غفلة كادت تؤدي بها. جزاك الله خيراً يا الطيب وبارك لك فيما رزقك وأعطاك، فقد رفعت رؤوسنا.