بين يديك الآن أخي المسلم الغيور على دينه وعلى كتاب ربه جل وعلا فتوى مجمع الفقه الإسلامي حول كتابة سور القرآن الكريم في كتب المناهج المدرسية في السودان. وقد تقدمنا بطلب الفتوى لأن وزارة التعليم العام دأبت على إصدار أجزاء من القرآن الكريم للحفظ وللتفسير بالرسم العثماني، وبخط المصحف ولكنها تكتب منكسة مخالفة لما عليه الحال في جميع العصور والأزمنة والأمكنة. والفتوى تقول: إن وجوب الالتزام بترتيب السور على ما هي عليه في المصاحف العثمانية وحرمة مخالفته هو الذي عليه جمهور العلماء، وذلك لضمان صيانة القرآن من التبديل والتحريف، وأن القول بالتوقيف في ترتيب السور يدعو إلى التمسك به والمحافظة عليه، ويجعل كل ما يتعلق بالقرآن متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم تلاوة ورسماً وترتيباً آيهُ وسورهُ. وهذا قول شافٍ كاف واقٍ في الصدع بالحكم الشرعي الذي لا مسوغ لمخالفته البتة. وقد استدلت الفتوى على الحكم بحرمة الترتيب بأمور 1/ الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها ذكرت السور التي ذكرت على ترتيب ونسق المصحف العثماني كقوله الزهراوين البقرة وآل عمران، وهو ترتيبها في المصحف. وكقوله في الحديث الآخر سورة بني إسرائيل «الإسراء» والكهف ومريم وطه والأنبياء من العناق الأول. وهو ترتيبها في المصحف العثماني. 2/ كان صلى الله عليه وسلم يلتزم هذا الترتيب حتى في الذكر والأوراد اليومية وهو مقتفي إشارة الفتوى إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث وقرأ فيهما «قل هو الله أحد» و«قل أعوذ برب الفلق» و«قل أعوذ برب الناس». 3/ وكان صلى الله عليه وسلم يلتزم الترتيب العثماني حتى في القراءة فيما اشتهر عنه كقراءته يوم الجمعة في صلاتها بسورة الجمعة والمنافقين أي الجمعة في الركعة الأولى والمنافقين في الثانية، وقراءته في صلاة الفجر ب«ألم» السجدة و«هل أتى على الإنسان حين من الدهر» بهذا الترتيب. وهذا ترتيب هذه السور في المصحف الذي تحت أيدينا. وهذا أمر على درجة عالية من الوضوح والاتساق لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. وهناك شواهد أخرى على ما في هذه الفتوى من التوفيق والرشد والهداية. من ذلك ما أورده الباحث د. طه عابدين طه في لجنة حول ترتيب سور القرآن الكريم. حيث قال: 1/ الخلاف في كيفية ترتيب سور القرآن الكريم قديم والذي توصل إليه الباحث أن ترتيب سور القرآن توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2/ هذا الترتيب النبوي للقرآن الكريم يحمل من الأسرار والمزايا والحكم الشيء الكثير الذي لا تتصور العقول كنهه، وأجاز الباحث مخالفة الترتيب في التعليم كالبداية بقصار المفصل ولا يعني ذلك مخالفة الترتيب العثماني في الكتابة ولكن أجاز البداية بسورة الناس ثم الفلق ثم الإخلاص فالمسد وذلك في الحفظ دون الكتابة. ولا إشكال في كتابة الأجزاء على النسق العثماني ثم تكليف الطلاب بالبداية من الحفظ بقصار الصور. ومع أن وزارة التربية والتعليم هي المعنية بالفتوى إلا أنها تقيم الحجة على نفسها بعدم ضرورة مخالفة الترتيب العثماني، فبين يدي مقرر السنة الرابعة أساس من القرآن الكريم وهو يشمل سورة جزء قد سمع مرتبة تماماً كما في المصحف العثماني المجادلة.. الحشر.. الممتحنة.. الصف.. الجمعة.. المنافقون.. التغابن.. الطلاق.. التحريم. وفي ذات الوقت تجد أن مقرر الصف السابع رتب هكذا: الزمر.. فصلت .. غافر.. وهو عكس ترتيب المصحف العثماني. أما مقرر الصف السادس فرتب ابتداءً من الحجرات على أقصى يمين الجزء ثم تليه الفتح فسورة محمد فالأحقاف فالجاثية فالدخان فالزخرف فالشورى وهذا تخليط لا داعي له ولا يفيد المعلم ولا المتعلم غير أنه يطعن في حكمة ترتيب المصحف وتوقيفه من النبي صلى الله عليه وسلم. وقمة الخلط ما جاء في الأجزاء المتقدمة حيث نجد جزء عم قد رتب ابتداءً من الفاتحة تليها الناس فالفلق فالإخلاص حتى تنتهي بسورة عم.. وكذلك تبارك يبدأ بالمرسلات وينتهي بسورة تبارك الملك. قلت على هذا النسق لو احتاجت وزارة التربية والتعليم العام إلى المصحف كاملاً لوضعت الفاتحة في أقصى يمين المصحف ثم تلتها بالناس فالفلق فالإخلاص لتجد البقرة في أقصى يسار المصحف.. فتأمل!! وتحدث الباحث د. طه عابدين طه في بحثه حول ترتيب المصحف عن مزايا وأسرار وحكم هذا الترتيب بما لا تتصوره العقول ونحن نرجئ الحديث عن هذه الأسرار والمزايا والحكم إلى وقت آخر ونضيف إليها الكثير من اللطائف والرقائق والحقائق.. ونسوق هنا قدراً يسيراً من الإعجاز الرقمي للقرآن الكريم الذي يعتمد اعتماداً كلياً على ترتيب السور والآيات بحيث لو اختل موضع سورة أو آية أو عدد آيات كل سورة لانهارت نظرية الإعجاز الرقمي التي اكتشفنا منها حتى الآن القدر اليسير جداً. ولقد أورد الباحث عبد الله إبراهيم جلقوم في كتابه معجزة العصر نذراً يسيراً منها لا يزيد عن غرفة بيد من ماء محيط متلاطم، ونحن ندخل سبابتنا في تلك الغرفة ونعرض ما تحمله تلك السبابة.. فإليك به. 1/ خمس سور هي الحجر والزمر والمعارج والفاشية والماعون نجد أن ترتيب هذه السور وعدد آياتها يدل دلالة رقمية على عدد سور القرآن الكريم: وهو 114 الحجر 15 + 99=114 رقم الترتيب + عدد الآيات الزمر 39+ 75= 114 رقم الترتيب + عدد الآيات المعارج 70+44=114 رقم الترتيب + عدد الآيات الغاشية 88+26=114 رقم الترتيب + عدد الآيات الماعون 107+7 =114 رقم الترتيب + عدد الآيات مجموع أرقام ترتيب هذه السور هو 319 وهو العدد الأساسي في معادلتي الترتيب القرآني 319 و619 إذا جمعت أرقام عدد سور القرآن الكريم 2+2+3....+114 تجدها 6555 والمعروف أن مجموع آيات القرآن الكريم هو 6236 لاحظ 6555 - 6236= 319 لو لم تكن براءة سورة لنقص العدد 6555 وأصبح 6441. ولو كانت البسملة آية في جميع سور القرآن الكريم لزاد عدد الآيات وأصبح 6349 ولكن البسملة آية في مفتتح سورة الفاتحة فقط.. فتأمل هذه السبابة!